الحرب على غزة وقساوتها على النفس
أخاطب كل من يعاني الألم والحزن على ما يحدث في غزة من فظائع وأسى وصور موثقة تصلنا تَفطِر القلوب
أرسل لي أخ وصديق فيديو يحتوي على صور مروِّعة لمئات الفلسطينيين القتلى والجرحى بعد قصفٍ من قبل العدو الصهيوني لجامع يصلون فيه صلاة الجمعة فقتل منهم أكثر من مئة شهيد وعشرات أو مئات الجرحى مناظر تدمي القلب لم يتحمل رؤيتها
أرسل لي رسالة غاضباً مستنكراً هذه الجريمة النكراء وأمثالها التي لا تُحتمل مناظرها لكنه كتب أصلحه الله معترضاً على قدر الله: ((لستُ أدري إنْ كان هذا الفعل والمنظر، وغيرهما كثير كثيييير ، قد أثلجا صدر الله وأسعداه))
حزنت لأجله وقلت:
((أخي: إستغفرِ الله على ما تقول
يؤسفني أنَّ تساؤلك بهذه الألفاظ فيه سوء ظن بالله وسوء أدب مع الله وسوء فهم لقضاء الله وقدره))
إن الله {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء : 23]
أقسم أني لما رأيت هذا الفيديو وهذه المناظر المروعة بكيت من ألم المشهد ... وتمنيت أن تكون نهايتي كنهاية هؤلاء
أتضرع إلى الله أن يعين أهل غزة وفلسطين وينصرهم ويحميهم ويصبِّرهم على هذا الإبتلاء العظيم.
- أخي: إنّ للموت جانبين نرى نحن الجانب المحزن منه ونَحزَن بِحُرقة، لكن الله أمرنا بالصبر، وأشار إلينا في كتابه كيف ندرك الجانب المُفرِح لحظة استشهاد مُؤمنٍ قُتِل ظلماً من عدوٍ لله فانتقل بلحظة إلى رحاب ربه {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)} [يس]
- ألا تعلم أن الخَضِر خاطب سيدنا موسى: {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)} [الكهف]
وأنت: أيها الإنسان لن تدرك فَهم قدر الله فالصورة أكبر من عقلك ... إستعِن بلُطف الله الخفي لتصبِر على أقداره ... إذا كنت واثقاً بربك فإن قَدَرك كله خير ... وقل في نفسك.. أنا لا أفهم أقدار الله ... لكنني متسق مع ذاتي متصالح مع حِكمة الله ... موقن أنه كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا
المطلوب منك أمام هذه الأحداث بذل استطاعتك لنصرة الحق ثم الصبر والدعاء.
- ألم تقرأ في كتاب الله عن طفل لم يبلغ الحِلم بعد، أَمَرَ الله "الخَضِر" بقتله رحمةً بوالديه.
- هل كان أحد يظن أن الله غافلٌ عن سيدنا بلال وهو مرميٌ على ظهره على الرمل الحار في صحراء مكة، والصخرة على بطنه يصرخ صابراً "أحد أحد"
أراد الله أن يرفع قدره في الدنيا والآخرة فحوله من عبد مملوك إلى سيدٍ لكافة المسلمين فلا نذكره إلا ونقول ((سيدنا)) بلال ((رضي الله عنه))
- ألم يعلَم الله بحصار حبيبه ورسوله محمد ﷺ في شعب أبي طالب مع أصحابه الذين اتبعوه من بني هاشم لثلاث سنوات إذ قاطعهم مشركي قريش لا يبيعوهم الطعام ولا يبتاعوا منهم حتى أكلوا أوراق الشجر، صبروا فأكرمهم الله بفتحٍ عظيم
- إنَّ الله الخبير العليم خَلق الدنيا بحكمته وعدله ... ليميز الخبيث من الطيب (ولِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
- أخي : إن البسطاء من الناس ينظرون إلى خيرٍ أصابهم كأنه نعمة من الله، وينظرون إلى شرٍ أصابهم كأنه نقمة منه، والحقيقة أنَّ الكل يرى الأشياء بقدرِ ما أوتِيَ من العلم والفهم لآيات ربه: {.... وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 216]
- {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)} [النجم]
هل تعلم أن ما يبكي هؤلاء المصابين اليوم سيُضحِكهم ويفرِحهم مستقبلاً وعكس ذلك صحيح
- المؤمن لديه بُعد نظر يرنو إلى آخرته، وليس إلى دنياه ومَتَاعِها ومُتَعِها واثقاً بربه ينتظر الأجر {.... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر : 10]
- لن ننجو أنا وأنت من الموت فهل ترى مِيتة أفضل من تلك تُنجينا من النار
مؤمن ذاهب يصلي الفجر في جماعة طاعة لربه ... قَتَله عدوٌ مجرمٌ غدراً دون أيِّ ذنب ...
ما أراه أنّ ما أصابهم هو تكريم من الله لهؤلاء المصلين ولأهلهم الصابرين وقد اصطفاهم الله ليثلج صدورهم في الآخرة، فالموت اليوم في غزة هدية من الله قُدِّمت لهم على يد عدو ظالم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)
نسأل الله الرحمة لشهداء غزة والصبر لذويهم والشفاء العاجل لجرحاهم.
- عندما أقرأ كلام أحد المهزومين نفسياً عن كثرة القتلى في غزة
أتذكر قصة من القرآن الكريم تنطبق على أحداث غزة تقول القصة:
أنَّ هناك قوماً عددهم بالآلاف فرُّوا من الموت وتركوا مدينتهم، ربما هرباً من عدو وهو الأرجح
فقال الله لهم وهم في طريق الفرار موتوا جميعاً، ثم أحياهم مرة ثانية ليُعَلِّمهم أن الموت بيده وحده قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة : 243]
وختم الله الآية بهذه العِبرة الرائعة (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)
هل انتبهت لفضل الله كيف يمكن أن يكون الموت هبة من الله جاءه على يد عدو وعلينا أن نشكر الله على ذلك الفضل.
وأن الحياة لا تكون بالفرار بل بقرار من رب العالمين
ويكمل الله القصة بهذا الأمر الرباني {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 244]
ليبين لهم أن الحرب لا تقتل أحداً لا يريد الله له الموت ... والسِّلم لا يحفظ أحداً لا يريد الله له البقاء.
مَهمَّتُنا أن نقاتل العدو المغتصب، ونُعِدُّ له العُدَّة ما استطعنا والباقي على الله إما النصر أو الشهادة
هذه الآيات جاءت تمهيداً لقصة القِلَّة المؤمنة بقيادة طالوت التي انتصرت على الكثرة الجبارة بقيادة جالوت
فالمتخاذلون المهزومون نفسياً (قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)
أما الواثقون بربهم قالوا (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
إذا أردنا النصر لا بد من المواجهة.
لا بد من القتال.
لا بد من الإقدام.
لا بد من الصبر.
لا بد من الإعداد قَدر الإستطاعة.
لا بد من التوكل على الله والإستعانة به.
(الحياة مع انتصار الباطل موت)
(والموت نصرة للحق حياة أبدية)
لولا أنَّ الله تعالى دفع الباطل بجنود الحق لفسدت الأرض ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )
فالفضل من الله أن يكون للحق رجال يموتون لأجله ويكتبون بدمائهم الحياة لغيرهم ... هذا ما علَّمنا إياه الله ورسوله
- لا تحصوا عدد القتلى فهم أموات عندكم ... أحياء عند ربهم يرزقون.
ولا تَدَعُوا الجهاد كي لا تكونوا أحياءً في الدنيا ... أمواتاً عند ربكم.
لقد منَّ الله قديماً على قتلى معركة أُحُد بأنه أخذهم شهداء: {... وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران : 140]
واليوم نرى الله يَمُنُّ على أهل غزة مدنيين ومقاومة ليتخذ منهم شهداء.
- المؤمنون على مر التاريخ هم أكثر أهل الأرض ابتلاءً عندما يبتعدوا عن منهج الله.
ألم تشاهد "عشرات الفيديوهات" ما فعله
عُبَّاد الأصنام البوذيين منذ سنوات قلائل بالمؤمنين في بورما بدولة ميانمار البوذية، كيف أحرقوا مسلمي الروهنجا أحياء وأذاقوهم ألواناً من العذاب حتى شَقُّوا خندقاً وأحرقوا فيه مئات المسلمين مع أطفالهم والفيديو موثق عندي تمَّ هذا منذ سنوات قلائل
قارن صُوَر محرقة بورما بما أنبأنا الله به قديماً في كتابه العزيز قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج]
حادثتين إحداها أنبأنا الله عنها في الماضي الغابر ثم تكررت الثانية أمام أعيننا في ميانمار منذ سنوات والثالثة اليوم في غزة وأمثالها الكثير الكثير من إضطهاد المسلمين كما في الهند والصين
كل ما يحدث في بلاد المسلمين يعلمه الله وما فعله التتار سابقاً والمغول والاستعمار الغربي والصهاينة، (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)
لعل المؤمنين ابتعدوا عن منهج الله ولكن ستبقى العاقبة للمتقين،
فالله خلق الدنيا دار اختبار ليميز الخبيث من الطيب رَحمة بالمظلومين ليوفيهم خيراً، ونَقمة من الظالمين،
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} [مريم : 83-86]
فإن وَضَحتْ لك حكمة ما يحدث وأدركت مغزى الامتحان وقمت بأي عمل إيجابي في هذه المحنة قدر استطاعتك فقد عرفت الحق وفُزتَ فوزاً عظيما أما اعتراضك على قدر الله وحكمته فهو خطأٌ عظيم
أرجو الله أني استطعت إيضاح ما غاب عنك من حكمة الله في هذه المحنة
لكم أصدقائي الأعزاء جميعاً مودتي واحترامي وعذراً للإطالة.
تعليقات
إرسال تعليق