هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ


 سألني أخ كريم عن هذه الآيات من سورة آل عمران: كيف لنبيٍ أن يسأل الله فيجيب طلبه ثم يتساءل عن قدرة الله في تنفيذ وعده.  

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) ((هُنَالِكَ)) دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)} [آل عمران : 37-42]

هنالك عند تلك اللفتة انتبه النبيُّ زكريا إلى الدرس من تكرار ما شاهده من أصناف الطعام والفاكهة   والثمار المقدمة لهذه الفتاة المتفرغة لعبادة ربها التي تكفل بها زكريا فوجد أن الله هو الكفيل الحق لمريم العذراء الطاهرة التَقيَّة النقية الزاهدة الخاشعة كلما دخل عليها محرابها كان في كل مرة يتعجب ويسألها من أين لك هذا الرزق ومَن  يأتيك به

فتقول: إنه من عند الله " فالهِبة تأتي من الواهب" دون واسطة فهذا لا يحصل إلا عندما يتوكل العبد حق التوكل على خالقه  متيقنٌ من الإجابة"   {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر : 99]


عند تلك اللحظة انتَبَهَ سيدنا زكريا وفطِن أنَّ الله القادر أن يرزق من يشاء بغير حساب قادرٌ أن يحقق أمنية عمره، ويرزقه ولداً صالحاً يرث علمه ويتابع مسيرته في هداية الناس من بعده رغم  أنه بلغ من الكِبَر عتياً وكانت امرأته عاقراً

هنالك جدَّد ثقته باستجابة ربه الوهّاب فتوكّل عليه (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) فهو الوهَّاب مسبب الأسباب القادر أن يغير الأحوال ويهبه ولداً صالحاً

((هُنَالِكَ)) دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (38)

وما أن انتهى زكريا من دعائه الخفي وهو ساجد في محرابه واستقام قائماً سمع أصوات الملائكة تبشره بالوَلد الصالح وأتمَّ الله نعمته عليه بأن سمَّاه له يحيى وبشره بأنه سيكون نبياً مصدِقاً بدعوة المسيح بن مريم

(فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) (39)

ومِن هَولِ المفاجأة وسرعة استجابة الله له 

 (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ) 

رغم يقين سيدنا زكريا بقدرة ربه بعد أن جاءته البشرى  ... تعجب من كيفية حدوث تلك الهبة الربانية ... فقال مخاطباً ربه مستفسراً عن الكيفية وليس عن صدق الخبر: (كيف لذلك أن يحدث وزوجتي عاقر؟) ... ترى هل يريد الله أن أتزوج زوجة ثانية صغيرة قادرة على الإنجاب؟ ... فالله لم يحدد له كيفية حدوث البشرى ... فجاءه من ربه الجواب فوراً

(قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (40) أي انتظر ولا تفعل شيئاً فالكيفية ليست من شأنك بل من شأن الله الذي يفعل ما يشاء

فأناب قائلاً (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ )

أي علامة عند حصول الحمل كي أسبحك وأشكرك كثيراً

فرد الله عليه (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ )

 أوحى له الله أن علامتك هي أني سأجعل لسانك عاجزاً عن الكلام مع الناس لمدة ثلاثة أيام إلا بالإشارة

... وأبقِي لسانك قادراً فقط على التسبيح وذكر الله مساءً وصباحاً 

(وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (41) (آل عمران)

 وجاء ذكر الله بالعشي قبل الإبكار لأن الله حدد له ثلاثة أيام  واليوم عند الله يبدأ بالعشي لحظة غياب الشمس وينتهي عند غيابها في اليوم التالي ... وبعد انقضاء الأيام الثلاثة تعود وتكلِّم الناس كما كنت.و

الله أعلم

وأسأل الله تعالى أن يجعل لكل منا في بيته محراباً  (يختلي فيه مع ربه)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات