بحث حول (الفرق بين الموت والوفاة)

 ثلاثية (الحياة والموت .....  والوفاة) مفهوم جديد 

1- الحياة:  هي (بنك الإنسان) يَجمع فيها رصيده المادي في دنياه كما يجمع فيها رصيده في صحائف الملكين لآخرته

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر : 42]

عندما يرسل الله انفسنا ليومٍ آخر نعيشه يكون الله قد أعطانا فرصة جديدة كي نضيف في يومنا هذا إما ربحاً مادياً إلى رصيد دنيانا أو يهدينا لنكسب ربحاً معنوياً لآخرتنا (ولو بكلمة طيبة ترضي الله) {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج : 24]

أو يعيننا فنعمل عملاً صالحاً يضاعفه لنا أضعافاً مضاعفة {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد : 11]

فاحرص أخي أن يكون قلبك سليم وربحك في دنياك حلالاً طيباً يزداد رصيدك عند الله دون جهد  

واحذر إن يكون ربح دنياك خبيثاً فيركمه ويمحق رصيدك عنده وتكون من الخاسرين

{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال : 37]

{قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة : 100]

"الموت والوفاة" 

هما كلمتان مختلفتان لفظاً ومعنى كل واحدة منهما تعني شيئاً يختلف عن الآخر

 معظمنا يستعملهما في حالة الموت وهذا خطأ شائع ومفهوم خاطئ

يتألف الإنسان من: "روح" و "نفس" و "جسد" ويُعَبِرُ الله عن الإنسان (بالنفس) لانها ذات الإنسان وهي التي تميزه عند الله عن غيره من البشر

الروح: سر حياة الأجساد ... أمرٌ من الله يحي بها الأجساد وينزعها متى يشاء فتموت بأمره وعلمه

النفس: هي جهاز التحكم في رغبات الإنسان وشهواته وهي محط الحساب والعقاب هي (ضمير الإنسان)

الجسد: وعاء من الخلايا والأعصاب جعله الله لمتعة النفس وراحتها وآلامها (الحسية أو النفسية)  

 الموت: هو إفتراق الروح عن الجسد عند انتهاء الأجل وتندرج فيه الوفاة حتماً

الوفاة: بذاتها لا تعني الموت أبداً بل تعني إيقاف القلم عن تسجيل أعمال الإنسان لتوفيته أعماله فلا حسنات ولا سيئات (عند النوم العميق وعند التخدير وعند الإغماء والغيبوبة كما لو انه ميت) ولا يندرج الموت فيها فلا تغادر روح الإنسان جسده في تلك الحالات أبداً 

فالوفاة هي توقف النفس عن رغباتها ومشاعرها واشتُقَّت الوفاة من التوفية أي يوفي الله النفس عما فعلت من أعمال سواء كانت صالحة أو خبيثة

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام : 60]

أي إن الله يوقف كل يوم قلم الملكين عنكم عندما تنامون في الليل ويعود تسجيل أعمالكم عندما تستيقظون فيكتب قلم الملكين ما تفعلونه من خير أو شر بالنهار ويتكرر ذلك كل يوم وليلة إلى أن ينتهي أجل كل واحد منكم بالموت إلى أن يبعثكم الله أحياءً يوم النشور حيث مرجعكم إلى الله فينبئكم بكل ما أحصاه القلم عليكم من أعمالكم الصغيرة والكبيرة وبكل ما فعلته جوارحكم من خيرٍ لكم أو شرٍ عليكم ليتلقى كل منكم جزاء عمله أو أجره  يوم الحساب وفق ما سُجل في صحائفكم ولا يظلم ربك أحدا 

 لذا لحظة وفاة النوم يتوقف  الملكان عن تسجيل أعمال العبد النائم لتوفيته أجره عليها ... ويعودان للتسجيل عند اليقظة ثم ... (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) فبعودة النفس إلى الجسد تعود رغباتنا وشهواتنا تتحكم فينا ويعود قلم الملكين ليحصي علينا أعمالنا في اليقظة (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى) الأنعام : 60 وتتكرر وفاتنا كل ليلة وبَعثُنا كل نهار  إلى أن ينقضي الأجل المعلوم عند الله في هذه الدنيا فيموت كل عبد في أجله المسمى ويُتَوفى فتقبض روحه ونفسه فيَتَوقف القلم عن تسجيل الأعمال نهائياً ليوفيكم بعد ذلك الجزاء أو الثواب (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) 

ثم ... إلى الله مصيركم فيحصي لكم ما كنتم تعملون من خيرٍ أو شر أو لهوٍ في يقظتكم ليوفيكم جزاء أعمالكم

 [الأنعام : 60]

فالموت فيه وفاة حتماً لكن الوفاة لوحدها ليس فيها موت

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ ((يَتَفَكَّرُونَ))} [الزمر : 42]

انتبهوا إلى كلمة ((يتفكرون)) فهذه الآية تحتاج إلى فكرٍ عميق وتفكُّرٍ وتمعُّنٍ في كلماتها ليتم فهمها 

   كلمة  "وافِِ" من المعجم.

1- واف: اسم فاعل لفعل وفَى فهو وافٍ.

2- واف: تام ، و كافِ.

3- واف: درهم وأربعة دوانق. 

4- واف: بيت من الشعر تام الأجزاء "البحر الوافِ"


المتوفِّي أو المُوفِي: هو الله الذي أتَمَّ للعبد عمره ثم وفاه جزاء عمله

المتوفَّى: هو الإنسان الذي استوفى أجله ليستوفي أجره 

***

{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ...... وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ} [هود : 109]

{وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [هود : 111]

{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل : 111]

***

الوفاة اشتقت من التوفية فالله يتوفى الأنفس حين موتها ليوفيهم أجر ما عملوا {.....ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران : 161]

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ ((فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ)) ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور : 39]

فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ: أي وفاه الله جزاء عمله {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة : 7-8]


كما يُوفى الأجير أجره فيُدفَع له حسابه جزاءً له بعد إنهاء عملهِ

فالوفاة هي: (إيقاف قلم الملائكة عن عمل كل نفس حين موتها وكذلك فترة نومها العميق)


قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [آل عمران : 55]

متوفيك ورافعك: أي أوقفتُ عليك القلم عندما رفعتُك حياً إلى السماء وعندما أعيدُك إلى الدنيا سأُجري عليك القلم من جديد إلى أن يحين أجلك


{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ ((مَوْتِهِ)) ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء : 157-159]

هنا فقط في هذه الآية الأخيرة أنبأنا اللهُ بموت السيد المسيح عليه السلام بعد فترة من عودته إلى الأرض لقتلِ الدجال وإحقاق العدل في هذه الدنيا التي مُلِأت ظلماً وسيعود عندها قلم الملكين ليكتب كل ما بقي له من حياة ويوفيه صالح أعماله ويؤكد الله وهو أصدق القائلين أنه بعد عودته إلى الدنيا سيُكمِل المسيح مهمته فسيؤمِنُ به وبدينه الاسلام من أهل الكتاب المسيحيين واليهود الكثير منهم فالإسلام هو دين كل الأنبياء من عهد آدم إلى زمن محمد ﷺ وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

فيعيش عيسى في الأرض ما شاء الله له  ثم يموت ثم يبعثه يوم البعث والحساب مع كل خَلق الله وأنبيائه فيكون شاهداً على كل من آمن به كرسول وكل من أشرك به الله من أهل الكتاب وعَبَده كإله 

عندما سأل الله العليم بكل شيء عيسى عليه السلام في السماء بعد أن عبده المسيحييون كإله 


حيث عبدوه وجعلوه شريكاً لله بعد أن رفعه الله إليه بثلاثمئة وخمس وعشرين سنة (في مؤتمر نيقيا عام 325 م) من قبل الانبراطور الروماني والقساوسة والآباء إذ ألَّهوه بالتصويت كما ورد في كُتُبِهم وليس من عندي فقد زوَّروا نتيجة تصويتهم على السؤال التالي (هل عيسى إله يعبد أم إنسان ورسول من الله) لصالح الانبراطور الروماني وأكرهوا وقتلوا وطاردوا كل من خالف قرارهم هذا مثل القديس آريوس الذي بقي مع أتباعه على توحيد الله في مصر

إذ لم يكن عيسى عليه السلام يُعبَد في الأرض كإله أبداًقبل مؤتمر نيقيا

جاء في القرآن في سورة المائدة الآية 116 {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : 116]  وكان جواب سيدنا عيسى لربه

{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا ((تَوَفَّيْتَنِي)) كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة : 117]

لم يقل الله ((أمتَّنِي)) بل ((توفيتني)) أي أخذتني إليك وافياً ولم أعد بينهم لأشهد على أفعالهم فقد أوقفت تكليفي ومتابعة عملي كرسول وكنتَ أنت الإله الرقيب عليهم وأنت على كلِّ شيء شهيد ويؤكد ذلك أكثر من خمسة عشر آية من آيات إنجيل يوحنا بأن الله هو من أرسله لمن يود البحث والتمحيص ويتبع حقيقة ما جاء في الانجيل ولا يتبع هوى الآباء في الكنيسة وتفسيراتهم وتزوير ما وقع في مؤتمر نيقيا في عام 325 بعد الميلاد

 إنجيل يوحنا 536

"وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا، هذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي."

هذا ما هداني الله اليه من تفسير (الوفاة) وما استنبطه من كتاب الله وما ورد في السنة الصحيحة وما قرأته من بعض آراء العلماء الأفاضل 

وما أنا إلا متفكرٌ في آيات الله أجتهد للوصول الى الحقيقة

ولكم مودتي واحترامي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات