هل الجنة والنار أبديتان لكل من دخلهما



بحث لمن يحب أن يتفكر في قوله تعالى عن يوم القيامة:
{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) ۞ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود : 105-108]

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29]

يؤكد الله في عدد من الآيات  من كتابه العزيز كما في الآية (106) أنَّ الذين شَقوا أنهم في النار لهم فيها زفير وشهيق أي يتنفسون في النار يعني أنهم أحياء  داخلها لا يموتون {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ (8)} [الطور : 7-8] وهذا أمر مسلَّمٌ به ما دامت السماوات والأرض إلا (ما) شاء ربك فهو فعال لما يريد

فالمشيئة هي إختيار بين أمرين أيهما أراده الله وفضَّله سيفعله

 أما الإرادة فهي ليست خياراً بين أمرين بل هي قرار اتخذه الله وسوف ينفذه ولا رادَّ لأمره 

{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن ((يُرِدْكَ)) بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس : 107] 

 والفعَّال لما يريد بإمكانه اتخاذ قرار ايقاف التعذيب وبإمكانه اتخاذ قرار التخفيف وبإمكانه العفو  في الوقت الذي  يريد 
 سواء بإخراج من يشاء من أهل جهنم أو بإخراجهم كلهم إذا أراد (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)
جاءت كلمة الربوبية في هذه الآية مرَّتين  فهو الله (المربي) وهو (الرب) الحكيم العادل الذي يعاقب بالقدرِ اللَّازم بما يتناسب مع ذنوب عباده
وله وحده ان يتوب أو يعذب من يشاء ولو كان منافقاً
{لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ //وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ// ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب : 24]

كأنَّ الله يبيِّن للمتشددين بفهمهم من الذين ينكرون احتمال صدور عفو خاص عن بعض أهل النار أو عفو عام أو حتى إيقاف العذاب نهائياً متى يشاء ذلك فهو الفعَّال لما يريد
 وهو القائل أيضاً: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} [النبإ : 21-23]
والأحقاب زمن طويييييل جداً جداً لكن له نهاية

 " فالله خالق الزمن وهو المتحكم به" وهذا شأنه وحده (إنَّ ربك فعال لما يريد)
وفي هذا الاستثناء لفتة رحمة في كلام الله الرحمن الرحيم بعد عذاب طويل لعباده العصاة من الأشقياء الذين انتهى مصيرهم إلى نار جهنم حتماً يعذبهم فيها وهم أحياء يتنفسون داخلها وقد قدَّم لهم الإنذارات في كتبه وحذرهم من الخلود في النار وهم على هذا الحال من العذاب ثم استثنى الله ب(إلا ما شاء ربك) والواضح في استعمال الله لأداة (ما) شاء لانهاتستخدم لغير العاقل وتعني الزمن الذي يخلدون فيه ولا تستعمل للعاقلين الذين شقوا وإلا لقال الله تعالى (إلا من شاء ربك)
أما الأداة (إلا ما) في الآية فهي إستثناء من (زمن الخلود) إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
وقد جاءت جملة (فعال لما يريد) في القرآن مرتين كلاهما جاءت مع عذاب الله وبطشه ولم تأتيا مع رحمته  وجاءتا مع اسم الله الرب المربي لعباده  (وَهُوَ الْغَفُورُ) للناس و(الْوَدُودُ) للمؤمنين {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16)} [البروج : 12-16] فالرب فعال لما يريد وقد كتب على نفسه الرحمة أي جعلها الله صفة ثابتة له ولم يقل الله أنه كتب على نفسه الغضب فهي إذاً صفة طارئة ومتغيرة ولله رحمات كثيرة جعل منها في الدنيا رحمة واحدة وادخر  لعباده تسع وتسعون رحمة للآخرة كما جاء في حديث رسول الله  ﷺ   رقم (2752) رواه مسلمإن لله -تعالى- مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون.

واللافت للنظر أن رحمته في هذه الآية [الأنعام : 12] جاءت في يوم القيامة للذين خسروا انفسهم {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 12] لك الحمد رب الناس ملك الناس إله الناس فإن أخلدَ الله الكافرين في جهنم فهو العدل منه سبحانه فقد حذَّر وانذر وذكَّر في كتبه وعلى لسان أنبيائه، وإن أراد إنهاء العذاب بعد زمن أو أحقاب من الزمن فهي الرحمة من الجبار وكلنا يعلم أن للنار دركات أي مستويات من العذاب

فهل يخفف عنهم درجة العذاب؟؟؟ 

أم يخرجهم الله خارج النار؟؟؟

أم هل يفنيهم؟؟؟
أم هل يدخلهم أدنى جنته؟؟؟ 
فهذا شان الله
 لم يفصح الله لنا في كتابه عن مصيرهم إلا بقوله (إن ربك فعَّال لما يريد) باستمرار عذابهم أو إيقافه فهو شأن الله الأزلي السرمدي القيوم على شؤون الكون والعباد إلى ما بعد يوم القيامة إذ {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن : 29]
 
 من صفات الكريم أنه إذا قدِر عفا  فهو شديد العقاب وهو أرحم الراحمين وله أيضاً أن يخفف عذابه أو ينهيه وقت يشاء، ويتجاوز عن وعيده وتهديده فهو فعَّال لما يريد وله أن يخوِّف عباده بالعذاب  لعلهم يرجعون إليه بالتقوى وقد ذكر الله ذلك في كتابه بقوله:

 {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ "يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ" ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر : 16]
 في هذه الآية أدخل الله عبارة ( ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَه) إدخالاً بغاية التخويف فهو لا يرضى لهم المعصية ولا الكفر ليبعدهم عن عذابه الواقع بهم

{ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} 

 فإرادته هنا تتماثل مع مشيئته 

ومشيئته لا تحمي أعداءه من عذابه

لكنه الرحمن الفعال لما يريد فهل من رادٍ لإرادته إذا أراد أن يرحم أحداً ممن غضب عليهم وعذبهم ثم شاء أن يخفف عنهم العذاب أو أراد أن يوقفه نهائياً في الوقت الذي يريد   بعد أن تشتفي صدور قوم مؤمنين

 (الرحمن) من أسماء الله وهي صفة متبدلة لله مع  الكافرين، مثل الجوعان ثم يصبح شبعان 

 أما (الرحيم) فهي صفة ثابتة لله مع المؤمنين وزيادة في رحمته أنه يعطي عباده في الجنة عطاء غير مجذوذ أي غير (منقطع)

وهي مشيئته فمن ذا الذي يعترض على ما يشاء الله وهو الفعال لما يريد

يكون مقصد الله في هاتين الآيتين كما يلي:

{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ ((الرحيم قادر على أن يفعل فعلاً آخر بأهل النار فهو))  فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) ۞ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ  ((أن يزيد في عطائه لأهل جنته))  عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} والله أعلم {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}

 إذ أقسم الله "بالطور والبيت المعمور والبحر المسجور" {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور : 7] 

فالعذاب واقع لا محالة للمجرمين والمتكبرين والمصِرِّين على معاصيهم والكافرين وقد أُعذِر من أنذر إذ قال جل شأنه {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)} [ق : 28-31]

 أما المؤمنين  المتقين فقد بشَّر اللهُ عباده الصالحين منهم بالجنة ونعيمها إن التزموا الطاعة والتقوى والعبادة ليسعدهم ربهم بقربه تحت عرشه وهذا مراد الله من خلقه لكل الناس ولذلك ارسل الرسل والكتب السماوية لهدايتهم في الدنيا ثم إسعادهم في الآخرة وليست غايته العذاب ولا التنكيل فيهم وهو الرحمن الرحيم

من خصال الكريم الرحيم التجاوز عن بعض وعيده، كما أنَّ من خصاله أيضاً الوفاء بوعده القطعي الثابت بالخلود في نعيم الجنة وجاء الإستثناء (بإلا) لأهل الجنة في زيادة عطائه لهم وهي زيادة في كرم الله (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي لا ينقطع
وقد بشَّر الله عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنهم من السعداء  في الجنة وهذا وعدٌ من رب العالمين
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) وهذا الإستثناء يعني إلا ما شاء الله في زيادة عطاءه لأهل الجنة الخالدين فيها فيُكرِمهم أكثر مما وعدهم ويخصُّهم بزيادة من عطاءٍ متجدد وغير منقطع (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)
وقد  أكَّدَ الله  على زيادة عطائه لأهل الجنة
 في العديد من آيات من القرآن الكريم، ففي سورة الواقعة قال: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة : 32-33]
وقال أيضاً في سورة يونس {۞ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ ...} [يونس : 26]
الحسنى: الجنة  
الزيادة: عطاء إستثنائي غير منقطع، ويقول بعض العلماء هو رؤية الله سبحانه
وقال الله أيضاً عن الجنه في سورة ق: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق : 35] 
ما يشاؤون: ما يرغبون به من أشياء يعلمونها 
والمزيد: هو عطاء متجدد من كرم الله مما لا يعلمونه
وقال أيضاً: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر : 30]
والزيادة من فضل الله هي كرمٌ منه  فوق ما يستحقه العبد وهي زيادة في عطاء الله المستمر والمتجدد زيادة لا تنقطع 

أما زيادة العذاب فوق ما يستحقه العبد العاصي فهي ظلمٌ وحاشَ لله أن يظلم أحدا أما إنقاص العذاب أو تخفيفه فهو رحمة من الله وقد كتب على نفسه الرحمة إلا على المجرمين والمتكبرين  
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}
[النساء : 40]
{قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 12]
 كتب على نفسه الرحمة إلا على المجرمين والمتكبرين والمصِّرين على معاصيهم
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
 [الأنعام : 147]
{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر : 76]
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح : 7]

الخلاصة: 
أن الله فرض لأهل الجنة الخلود الأبدي 
وترك أهل النار الى إرادته هو {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء : 23]

أما كلمة (أبداً) المتكررة في القرآن لاهل النار {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب : 65]

وردت جملة (خالدين فيها أبداً) في أهل الجنة ثمانية  مرات بعدد أبواب الجنة بينما وردت هذه الجملة في أهل النار ثلاث مرات فقط وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن رحمة الله سبقت عذابه
وأسوق لكم معنى كلمة (أبداً) من المعجم ومن كتاب الله فالقرآن يُفَسَّر من آيات القرآن ذاته
 (من المعجم)
 أبَداً: مُطْلَقاً، قَطْعًا وهي ظَرْفُ زَمَانٍ لِلتَّأْكِيدِ نَفْياً 
(من القرآن)
{قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة : 24]
أبداً: هي فترة زمنية مدتها هنا (ماداموا فيها) وقد دخلوها بعد حين

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا} [الكهف : 35]
أبداً:  فترة زمنية طويلة قد يعني بها طيلة حياته ولا يُقصَد بها الأبد الثرمدي

وفي الختام أُذَكِّرُ بدعاء رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وهو دعاء رائع يبعث الطمأنينة في نفس المؤمن الذي أسلم وجهه لله واستسلم له واثقاً من رحمته وعدله وكرمه وجميعنا إليه راجعون
(اللهم ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك ...  عدلٌ فيَّ قضاؤك) يامن   سميت نفسك الرحمن الرحيم
 
الجنة في ظاهر فهمنا هي منتهى ماعند الله من فوز وجزاء للمتقين ... لكنَّ الله قال أنَّ للجنة درجات
 ويقول الله أنَّ فيها (المزيد) كرماً منه جل شأنه تودداً من الودود لعباده (عطاء غير مجذوذ) غير منقطع وفيها (زيادة)  فما هي هذه الزيادة وماهو هذا المزيد ... في جنة عرضها السماوات والأرض من رب كريم يفاجئ بها عباده الصالحين ويكافئهم بعطاء متجدد غير منقطع في جنة متجددة لا يَملُّها المقيمين فيها أبداً
{ .... وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف : 71]

واستثنى الله الحكيم العليم  في هذه الآية الثانية من زمن العذاب ولله وحده الفعال لما يريد أن يستثني ما يشاء من العذاب {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم من الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام : 128]  نحن مأمورون بخُلُق التسامح وبالعفو والمغفرة حتى عن الكافرين كما جاء في هاتين الآيتين  {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 109]

{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية : 14] فاتركوا الأمر لله هو الذي يقتص ويعاقب بعذاب سواء في الدنيا أو في الآخرة فهو الفعال لما يريد

وكما سخَّر الله ملائكته لتسبيحه، سخرهم أيضاً للاستغفار للإنس والجن ممن يعيشون في الأرض فهو الفعال لما يريد { ..... وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى : 5] لجميع من في الأرض وليس للمؤمنين فحسب

هذا ما هداني الله اليه من توضيح مفهوم تلك الآيات الكريمة ولست أول من قال هذا المعنى فقد قال ذلك كثيرٌ من علمائنا الأفاضل من الأقدمين  وعدد من علماء العصر الحديث، لكني أردت ان أوضح المعنى وأثري الفكرة من آيات الكتاب وأن أذكِّر من شاء ان يتفكَّر في هذه الآيات

والله من وراء القصد وهو العليم الخبير فإن أصبت فمن الله وأشكركم إن نشرتموه للعلم والمعرفة، وإن أخطأت فمن نفسي الخاطئة وأشكركم إن أشرتم للخطأ وأين ورد مع الدليل، فما أنا إلا متفكرٌ أجتهد للوصول الى الحقيقة
 ولكم مودتي واحترامي.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات