هل نحتاج إلى علماء الدين
أخٌ كريم أحترمه، توسم فيَّ خيراً وسألني أسئلةً عن الدين، فقلت له: (أنا لست بعالم دين)، فقال: (هل برأيك في ظلّ هذه الثورة التكنولوجيّة بقي الدين يحتاج الى علماء؟)
فأجبته: الدين لا يحتاج ولكنَّ الناس هم من يحتاجون الى تسديد آرائهم وتصويبها من قبل العلماء المخلصين لله، والصادقين للناس، والعاملين لانفسهم، من الباحثين في علوم الدين
وهل يستوي العلم من دون علمائه؟؟
وما أنا إلا طالب علم وباحث في أقوال العلماء ومتفكر في آيات الكتاب امتثالاً لأمر الله {......وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44]
أما التكنولوجيا الحديثة فساعدت وسرَّعت عملية البحث في القرآن وكُتب العلم، التي قام بكتابتها علماء ومفكرون من القدماء والحديثين فقط ولم توجده لنا التكنولوجيا وإنما نقلته للعرض علينا لنقرأ ونتفكر ونبحث، ولكل عصر علماء ومفكرين ومستنبطين ينهلون من هذا النبع الربَّاني الذي لا ينتهي عطاؤه ويستخرجون لنا من مجوهراته المكنونة، من العلماء الصادقين والمخلصين، ولكنهم ليسوا على سواء، فيوجد بينهم أيضاً أصحاب غايات ومصالح شخصية، ومتطفلين على العلم، وعلماء سلاطين،
فجذر كلمة (عَلِمَ) هي ثاني أهمّ وأكثر كلمة ذكرها الله في قرآنه بأشكالها المتعددة،
ومن يطلب العلم يحتاج الى المعلِّم، والمعلِّم يحتاج الى العالِم الذي هو أعلم منه، وهكذا (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).
والعلماء الصادقين ورثة الأنبياء، قال اللهُ عن العلماء الحقيقيين أنهم أكثر الناس خشيةً لله {....إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر : 28]
والمخلصون منهم هم من يصغون لمن خالفهم
(مامنا إلا رادٌّ ومردودٌ عليه إلا صاحب هذا القبر، كل يُؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وقال الله جل جلاله أنه هو والعلماء من بعده يشهدون على صدق رسالة سيدنا محمد ... {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد : 43] وتكفينا شهادة الله لكنه تعالى أراد تعظيم دور العلماء الصادقين في هذه الآية
وإن فَهمَ القرآن والاستنباط منه يحتاج توضيحاً من الرُسل أولاً ثم من العلماء المخلصين لله والعاملين بأوامره ونواهيه
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ...} [النساء : 83]
ربما كا مقصدك أخي الغالي في سؤالك (هل نحتاج الى رجال دين) ليباركوا أفعال الناس ويضمنوا لهم دخول الجنة؟ مثل اليهود والنصارى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ.....} [التوبة : 31] فالجواب لا نحتاج ... فالمسلم ليس بحاجة لرجل دين يضمن له الجنة أو يخلصه من عذاب الله أو يشرِّع له ويحل له أمراً ويحرم آخر فلا يوجد معصومون سوى الرُسل، وإنما يحتاج المسلم إلى عالم صادق ينصحه ويرشده إذا انحرف أو ضل الطريق ولا يضمن المسلمون الجنة إلا بعملهم الصالح.
وربما كان سبب تساؤلك هذا لما نرى وما نسمع من كمِّ التناقضات والخلافات بين علماء الدين في هذه الفتن التي تعصف بنا اليوم وكذلك فيما نجده من تباين في بعض الآراء والأفكار الكثيرة في بعض كتبنا التراثية القديمة فمنها الصائبة وفيها الخاطئة أو المغرضة كما نجد ذلك في بعض التفسيرات الحديثة التي قَلَبت بعض المفاهيم لدى الناس ثم ضيَّعتهم بين المتشددين والمتفلتين، ونفَّرت البعض من دور العلماء {وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ}
لكن كتاب الله هو الفيصل والمرجع {.... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89]
فلا يُمل، ولا يَشبع منه العلماء، ولا يَخلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه،
ولا بد من أن تبقى فيه دائماً إشارات مستمرة مع مرور الزمن تتجاوز هذه الإشارات سقف المعرفة لعلماء عصور مضت فيهدي الله إليها علماء آخرين يأتون من بعدهم في الحاضر أو في المستقبل ويظل ولَّاداً الى قيام الساعة، ودائماً نجد من يبحث في القرآن ويكتشف أموراً حديثة ليست من ثوابت الدين الراسخة والمحكمة وتبقى هذه هي مهمة علماء اليوم والمفكرين ولن تتوقف هذه المهمة ولن تنتهي إعجازات ذلك الكتاب العظيم في زمن من الأزمان، وستستمر إعجازاته العلمية والرقمية والغيبية في الظهور وسيستمر هذا الكتاب الذي لا ريب فيه في العطاء جيلاً بعد جيل.
تعليقات
إرسال تعليق