إثبات صدق الأحاديث الغيبية عن رسول الله

كتب أحد أصدقائي من الباحثين في علم الحديث يشكك حسب رأيه بصدق أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتناول الغيب معتقداً أن الله لم يُطلع رسوله من الغيب إلا ما أنزله عليه من القرآن
وكذلك يرى بأنَّ الأحاديث القدسية التي نقلت لنا من الرسول عن ربه بأنها مكذوبة لأنها لو كانت صحيحة لوجب حسب رأيه على الرسول تسجيلها في كتاب الله القرآن من قبل كَتَبَةِ الوحيِ وإلا فإنه يرى أن رسول الله قد يعتبر أهمل واجبه ولم يكتب كل ما أوحي إليه وبالتالي فإن الدين الإسلامي ناقصٌ، متذرعاً بحقيقة فقهية أن القرآن يقيني الثبوت أما أحاديث رسول الله فهي ظنية الثبوت وهذه حقيقة صحيحة لكنها لاتعني أبداً أن الغيب هو ما جاءنا في القرآن فقط ولا تدل على أن الله لا يظهر لرسوله شيئاً من الغيب سوى ما جاءنا في كتاب الله
وبعد البحث عن حقيقة هذا الموضوع وجمع هذه الأدلة كان هذا هو ردي عليه:
إني أرى فيك باحثاً ملتزماً في علم الحديث
والإدراج والجرح والتعديل ومعرفة الصادق والمدلس من الرواة والأهم هو صدق نيتك وشدة همتك ومثابرتك.
لكنك تدافع بشدة عن رأي لك في مجالات  أخرى لست فيها بمسيطر بثقة زائدة واصفاً رأيك (إنه الفصل وليس بالهذل) دون دليل بيِّن أو علم واضح
فإن كنت ترغب بحوار الند للند  فإنَّي أذكرك أنَّ كل من يقرأ لك ويعتمد رأيك ثقة بك وإيماناً بعلمك سيكتب فضله أو إثمه في صحائفك  وانت بشر يخطئ ويصيب

وأنا لست إلا متفكر في القرآن وفهم آياته، أتحرَّى مقاصد الله فيه ولا أدعي العلم وإنما أبحث عن الحقيقة من خلال باب العلم والاستنباط مما وصلنا من الكتاب والسنة ومن تراث هذا الدين من الغيب.
 وأعلم تماماً قول الله تعالى في الغيب:
{۞ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام : 59]

وأعلم قول الله بلسان نبينا الحبيب
{ .....وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 188]

ومثل تلك الآيات لا تنفي أن الله لا يظهر لرسوله من الغيب إلا ما قد جاءه في الكتاب عن طريق جبريل.

وأما أقوالك وآراؤك فسوف أنقل منها خمسة منشورات لك سأوردها هنا ليطلع الجميع على سبب اختلافنا في هذا الرأي فإن اقتنعت معي فأحمَد الله على ذلك وإن لم تقتنع فهو شانك وأكون قد أوضحت للجميع فرُب قارئٍ يستفيد
ولا رغبة لي بالجدل أو الإنتصار للنفس
 وسأضع أقوالك الخمسة التي نشرتَها عن الأحاديث الغيبية لرسولنا الكريم

قولك  1- (كل روايات الأحاديث الآحاد التي تتعلق بالغيب روايات ظنية الدلالة، ولا يصح الاعتقاد بها ونسبتها لرسول الله، وإلا لوجدناها في القرآن الكريم)

قولك  2- (لا يؤخذ برواية حديثية مضمونها متعلق بالغيب أو المستقبل إلا من كتاب الله، حصرا)

قولك  3- (الروايات "القدسية" الواردة عن طريق أبي هريرة في صحيح البخاري:
.- وما هي الروايات القدسية؟. وهل من سبب ليُحدِّث الرسول بأحاديث عن الله؟ لم يأمر بتدوينها في صحف القرآن، مع وجود كتبة الوحي.؟ .- وما هو مبرر وجود الروايات القدسية،؟)

قولك  4- (لم يَصِل عن رسول الله، نصلي ونسلم عليه بشكل يقيني "من الغيبيات" سوى القرآن المجيد)

قولك  5- (الغيب فقط هو: الوحي ، جبريل، القرآن)

وسوف أثبت لك أنها جميعها أقوال خاطئة وما هي إلا تكذيب بالجملة لأحاديث رسولنا الحبيب ﷺ تنسف بها نصف أحاديث السنة الشريفة  وكل الأحاديث القدسية  وكل أحاديث الآخرة وأحداث يوم القيامة والحساب والجنة والنار  واجتماع المسلمين على حوض رسول الله وسبعة يظلهم الله بظله وكلها أحاديث غيبية وكذلك أحاديث القدر
 وكل أحاديث الرسول عن تفاصيل العبادات في الصلاة والحج ونسبة زكاة المال وعدد الصلوات الخمس وعدد ركعاتها حيث تقول أنها اجتهادٌ من فكر الرسول وليست من الله لأنها لم تذكر في القرآن
وسأثبت لك خطأك في سياق بحثي هذا ولعلك تتراجع وتصحح رأيك إن أقنعك ردِّي هذا

أولاً أنا أقرُّ بأن الرسول ﷺ لايعلم من الغيب شيئاً إلا ما قد أظهره الله له وحياً  سواء كان في الكتاب أم في السنة والوحي ليس بالضرورة أن يكون جبريل وإنما قد يكون إلهاماً من الله
{.....وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء : 113]
فبفضل الله علَّم الله رسوله من الغيب ما لم يكن يعلم زيادة على الكتاب وزيادة على الحكمة فقد علَّمه من الغيب مالم يكن يعلم إلهاماً أو وحياً فهذا شأن الله ولم يجعل الله وحيه الى الناس بواسطة جبريل فقط بل قال أيضاً
{وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص : 7]

{وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل : 68]

وأنا معك بأن كتبنا التراثية فيها بعض العَكر من الأحاديث التي دُست بسبب فوضى الفتن التي مرت بها أمتنا الإسلامية عبر القرون الأولى وانت أهل لذلك وتُشكر على جهدك عندما تظهر التباين والإختلاف بين نص المتن للحديث مع كتاب الله وأرجو ألَّا تجعل التشكيك بالجملة بل لكل حديث على حده وبالدليل وليس بالرأي فاتق الله وخفف من جرأتك هداك الله لما فيه خيرك وخير الناس
وأرى أنك قد أنصفت في قولك بمنشورك  وتعهدك بان تتراجع عن آرائك عن الغيب إذا وجدت حديثاً واحداً يقينياً متواتراً وليس ظنياً نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لذلك سآتيك بخمسة أدلَّة يقينية بل هي حق اليقين وعين اليقين من كتاب الله ومن السنة الشريفة من أحاديث الرسول تؤكد جميعها أن الله يوحي لرسوله بعضاً من الغيب ليخبرنا به غير ما أنزل لنا في القرآن المجيد. وجُلُّ غايتي هي تسليط الضوء على ما قد غاب عنك.

رقم1- باعتبارك باحث في أحاديث رسول الله ﷺ المتواترة في تفاصيل العبادات وكل ما أمرنا رسول الله ﷺ  بها  ولم يأت القرآن على ذكرها وبيانها بل جاءتنا متواترة ومتطابقة مع أحاديث رسولنا الحبيب

  ومنها على سبيل المثال (أوقات الصلاة ومواعيدها وعددها 5 صلوات وعدد ركعاتها وكيفيتها وأركانها ومقدار زكاة الأموال وتفاصيل أركان الحج)

   ودليل تواترها  هو أنَ المسلمين في بقاع المعمورة تتبعها ولا خلاف عليها فيما بينهم  رغم أن القرآن لم يأت على ذكرها مطلقاً ويوجد أحاديث عديدة حول تفاصيل هذه العبادات بوحي من الله غيبي الى رسوله ولم يُذكر في كتاب الله، فكيف علمه الرسول بغير وحي من ربه؟
وهذا واحد منها عن توقيت الصلوات الخمس كمثال:
 حديث جابر عن رسول الله قال: "جاء جبريل إلى النبي حين زالت الشمس فقال: قم يا محمد فصلّ الظهر، حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصلّ العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم فصلّ المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه فقال: قم فصلّ العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح فقال: قم يا محمد فصلّ، فقام فصلى الصبح.
وهو فعل متفق عليه بين المسلمين في أصقاع الارض ومتواتر منذ فجر الإسلام الى يومنا هذا

رقم 2- أنت يا أخي عندما تطلب اليقين في ذلك
فاعلم أن اليقين أنواع أوله أحساس وثقة فكل منا يعلم أنه ابن أمه وأبيه لثقته بهما وإحساسه بمحبتهما له وحرصهما عليه
ثم جاءنا الله في كتابه بأنباءٍ لم يعلمها رسول الله مسبقاً لكنَّ المؤمنين يعتبرنها علم اليقين المطلق لا شك فيه ثم يأتينا عينُ اليقين وهو أقوى وأثبت من علم اليقين وذلك عندما نرى أنباء الله تجسدت وتحققت أمام أعيننا وكمثال على ذلك عندما يرى الناس مشاهد القيامة والحساب ثم بعدها يأتيهم  البرهان الأقوى وهو حقُ اليقين عندما يلمس ويتحسس الإنسان كل ما رآه بعينيه فيدخل المؤمنون الجنة ويتمتعون بما فيها ويدخل والكافرون النار ويتعذبون فيها
لذا فإنَّ أقوى أنواع اليقين هو الرؤية بالعين المجردة وتحسس ما تراه من علم أو كلام غيبي قيل منذ قرون فإذا شاهدته اليوم بأم عينك ولمسته بحواسك فهو عين اليقين وهذا أقوى من اليقين المتواتر في علم الحديث لأن غير المؤمنين لا يكفيهم العلم اليقيني من قرآن أو حديث أو سنة بقدر ما يرونه بأعينهم أو يلمسونه بأيديهم من حق اليقين ... أليس كذلك؟
 فارجو أن تتفكر وتقبل مني هذا النبأ من رسول الله الذي ذُكر في الحديث التالي عن رسول الله والذي جاءنا بأقوى أنواع اليقين وهو عين اليقين رؤيةً وحقاً كفلق الصبح
والحديث ورد في صحيح مسلم وغيره وهو حديث طويل وكل ما جاء فيه صحيح ومتطابقة مع كتاب الله وفيه نبأ غيبي واضح وقد تأكد صدق هذا النبأ الذي حدَّثنا عنه رسولنا ﷺ منذ 14 قرناً
ولديَّ أمثلة أخرى من تلك الأحاديث والأنباء التي حدثنا فيها رسول الله من 1440 عام عن أشياء ستحدث وقد حدثت وجاءت كضوء الشمس وهذا أحدها:
((...عن عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ )) رواه [ مسلم في صحيحه والترمذي، أحمد، النسائي، أبو داود، ابن ماجة ]
وما يهمني من هذا الحديث كدليل صادق وإثبات يقيني جاء كفلق الصبح هو:
 ((...قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»
وهنا يظهر لنا جلياً أن النبي لا يعلم الغيب  وكلنا نقِرُ ونعترف بذلك ...  نعم فهو لا يعلم من الغيب إلا ما أراد الله إظهاره له
 ونتابع قول جبريل للرسول في هذا الحديث حيث قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ رسول الله: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»...))
وقد تحقق الإثنان
فهل منا من يجد يقيناً أدق من رؤية هذا النبأ بالعين وكيف تحول بعض البدو في أنحاء جزيرة العرب بعد هذه القرون الطويلة  من حياة البَداوة والخيام حيث كانوا ولأكثر من ألف سنة حفاة عراة رعاة للغنم والإبل وعالة على غيرهم من الأمم فكيف تحوَّلوا (خلال حوالي سبعين سنة)
إلى أناس ذوي مدنية وحضارة وأبرز ما في حضارتهم هو التطاول في البنيان والأبراج السكنية
فمن أين جاء هذا العِلم الغيبي الى رسول الله
هل كُتِب هذا في القرآن؟ بالطبع لا ....  إذاً كيف علِمَه رسول الله وجاء بيان هذا النبأ الغيبي في هذه الأيام كفلق الصبح وأصبح يقينياً مثبتاً للقاصي والداني وهو عين اليقين وحق اليقين لنا جميعاً
وكلمة يتطاولون في البنيان أي يتبارون في زيادة الطول في مبانيهم ونرى ذلك رؤيا العين في دول الخليج كيف يتسابقون في بناء الأبراج السكنية والتجارية وأيُّهم سيفوز باسم (البرج الأطول في العالم) وهو حالياً برج دبي والبرج الثاني الذي يليه في الطول حالياً هو برج الساعة في مكة المكرمة ويوجد اليوم برجان قيد الإنجاز حرصوا أن لا يُعلموا عن طولهما لانهم لا يزالوا يتباروا في أيهما الأطول
أليس هذا نبأ يقيني وحديث يقيني أقوى من المتواتر لصدق رسولنا بعلم من الغيب عن ربه وان الله قد أظهر لنبيه بعضاً من الغيب أم أن في الأمر قول آخر

رقم 3- والدليل الثالث  وهو دليل يقيني الثبوت من كتاب الله حيث أمر الله رسوله في أول الدعوة أن يتجه بصلاته الى بيت المقدس ولم نر هذا الأمر مكتوباً في كتاب الله فمن الذي أوحى إلى رسول الله والمسلمين أن يُصَلُّوا باتجاه القدس الشريف لمدة 13 سنة وذلك الأمر غير مكتوب في القرآن فكيف عَلِمَ رسولنا الحبيب إتجاه قبلته الأولى الى بيت المقدس في صلاته
علماً أنه كان في نفسه شيئاً تجاه هذه القِبلة التي لم يكن راضياً عنها وهذا دليل آخر يقيني الثبوت بأن الله أمره عبر الوحي أو الإلهام الى أين يتجه في القِبلة الأولى ولم يذكرها في كتاب الله مطلقاً حتى عندما غير الله تلك القبلة للمسلمين الى الكعبة بدلاً من بيت المقدس وأوضح ذلك لنبيه في الكتاب قائلاً له:
 {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ .........} [البقرة : 144]

 فتحديد القِبلة الأولى إلى بيت المقدس لا بد أنها كانت وحياً من الله للرسول فإن كانت عن طريق جبريل فببساطة نستنتج من ذلك أنَّه ليس كل ما ينقله جبريل الى الرسول هو قرآن وبكل بساطة أيضاً يميز جبريل ويوضح لرسولنا الحبيب محمد ما هو قرآن ليدونه عبر كُتاب الوحي وما هو ليس بقرآن فيتلفظ به سيدنا محمد بإسلوبه الخاص ونقله لنا رُواة الحديث
لأن ما يلقنه جبريل للرسول من قرآن يثبته الله بدقة في قلب سيدنا محمد فيَحفَظُه ولا يزيد عليه أو ينقص حرفاً واحداً ويحفِّظه تسلسل الآيات وأرقامها  وأسماء السور وتسلسل ترتيبها في الكتاب عند جمعه وليس كما هو عند نزوله
{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)}   [القيامة]

4- {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم : 3]
في هذه الآية نبأ أظهره الله على رسوله فعرَّف بعضه وأعرض عن بعض 
- كيف أنبأ الله نبيه بهذا النبأ ألم يكن عن طريق جبريل وربما بالإلهام لا فرق أبداً
- ولِمَ لمْ ينبئنا به وتكتم عليه ولم يدرجه في كتاب الله أليس ذلك بأمر الله بالطبع نعم
-  ثم كيف أَعْرَضَ عَن ذكر بَعْض ما أنبأه الله أليس هذا النبأ غيباً ووحياً من الله فكيف يظهر بعضه ويعرض عن بعض إلا إذا كان بأمر الله بالطبع نعم
- (قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)
 إذاً نبأ الله العليم الخبير نبيَه هذا النبأ ولم يكتبه لنا في القرآن "فهل ترى أخي أن نبينا قصّّر في تدوين هذا النبأ في صحفحات القرآن كما تقول.
- وكذلك الأحاديث القدسية الغيبية أخبر الله نبيه ﷺ بها وأمره أن يخبرنا بها فصاغها بأسلوبه الشريف وأمره أن لا يدرجها في القرآن

5- هذه الآية من القرآن اليقيني الثبوت وهي التي تؤكد كل ما سبق:
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} [الجن : 26-27]
كلمة الغيب في الآية الأولى كلمة مطلقة أي الله عالم كل الغيب وحده فقط دون سواه
بينما عندما ذكرها الله ثاني مرة معطوفة على الله (فلا يظهر على غيبه أحدا) فكلمة يُظهر غير كلمة يُعلِم
والإظهار يكون بقدر الحاجة ويكون لطرف من العلم أو جانب من الخبر وليس كله
 وكلمة (غيبه) ليس فيها إطلاق ككلمة الغيب الأولى فهي مطلَقة
(كمن يملك مالاً وقال عن نفسه: "أنا أملك المال ولن أعطي مالي إلا لمن أرتضيه من أقارب " !! بالطبع فإنه لن يعطي كل ماله لمن يرتضيه من أقاربه وإنما يعطيه من ماله على قدر الحاجة)
 ثم استثنى الله بإظهار الغيب ب إلا (إلا من ارتضى من رسول) ولم يقل (إلا من ارتضى من الرُسُل) فكلمة رسول هي أعم فقد يكون الرسول نبياً رسولاً وقد يكون مَلَكاً كجبريل أو يكون إنساناً عادياً أوحى الله إليه إلهاماً كأم موسى {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص : 7]
وقد يكون رسول يكلِّمه الله من وراء حجاب {......وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا} [النساء : 164]
 أو يوحي الله إليه بالمنام كما أمر سيدنا إبراهيم بذبح ابنه {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ َ} [الصافات : 102]
وكذلك سيدنا يوسف حيث رأى بالمنام أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له
ويستخدم الله بعض العباد ليَحملوا رسائلاً ووحياً من الغيب الى الناس عن طريق المنام: كالملك الذي رأى سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان فهو وحي أراد الله إظهاره للناس
وكثير هم العباد ممن أراهم الله في منامهم رسالة ليبلغوها لعباد آخرين أو أراهم أمراً غيبياً في المنام ثم حصل في الحقيقة والواقع كفلق الصبح (وأنا قد حصل معي هذا أكثر من مرة في المنام وشهدت قصصاً مثل ذلك لعدد من إخواني في مسيرة حياتي لا يتسع الوقت لذكرها)
 فما بالك بالرُسل ... ألا يُبلِّغهم الله وحياً من غيبه سواء بالإلهام أو بالمنام دون جبريل وقد أوردتُ على ذلك كل ما سبق
وقال تعالى في سورة النساء:{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ((بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)) ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء : 105] بما أراك أي بما ألهمك إياه إضافة وتوضيحاً لما أنزله الله إليك من الكتاب
وقال تعالى: {.......... وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء : 113] الكتاب هو ما انزله الله بواسطة جبريل أما الحكمة فهي إلهام من الله إضافة وتوضيح فلا ينطق عن الهوى 
فإظهار بعض الغيب لرسله لا يقتصر على جبريل والقرآن فحسب 
(فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (أي وضع الله رصدا (حماية) من الملائكة لرسله حتى يُكمِلوا تبليغ رسالته التي أمرهم الله بتوصيلها
كما يُكلِف الله بعض عباده بتنفيذ أمر غيبي بالإلهام وذلك مثل ما أمر اللهُ العبدَ الصالح (الخضر) في سورة الكهف فقد قص الله علينا في سورة الكهف ثلاث قصص كخرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار وكلها أعمال غيبية كلفه الله بها ... ولله عباد صالحين في كل حين وفي كل زمان
والدليل على أنَّ الغيب ليس جبريل فحسب هو ما جاء في هذه الآية
{۞ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51] صدق الله العظيم
وجملة (يكلمه الله وحياً) أي يلهمه إلهاماً هذه الآية تدل على أن الوحي شيئاً وجبريل شيء آخر فيمكن أن يكون الوحي رسولاً ملكاً من الله كجبريل يحمل كلام الله الى رسوله  ويمكن أن يكون هذا الملك رسولاً من الله ينقل خبراً من أخبار الغيب وليس قرآناً وقد يكون الوحي إلهاماً من الله كما سبق في حديث (يتطاولون في البنيان)
 أو أمراً من الله يحمله جبريل للتنفيذ عندما وهب الله عيسى لأمنا مريم العذراء البتول
{فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} [مريم : 17-19]

وكذلك يوم عاد رسول الله خائباً من دعوة أهل الطائف حيث سلطوا عليه صبيانهم وآذوه ورموه بالحجارة وجاءه جبريل ومعه ملك الجبال
عن عائشة، زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: ((هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدُّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فيما شئت أن أُطْبِق عليهم الأخشبين  (1) ؛ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا))  (2)
وأخيراً أخي الغالي هذا رأيي وهذا ما هداني الله اليه فإن أصبت فمن الله وأرجو لك التوفيق والتدبر
 وإن أخطأت فمن نفسي ودلَّني أين الخطأ فيما أوردت  ولك مودتي واحترامي.

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخي العزيز رضوان سالم بارك الله فيك ورضي عليك وجعل من ميزان حسناتك
    لاتعلم كم كانت مفيدة تفسيراتك وتعليقاتك واود اخي الكريم ان اتعلم واستفيد اكثر وياريت تكتب المزيد يمكن لديك المزيد ولكن للاسف لا اعلم اين اجد كتاباتك واستفيد صدقني بحثت المزيد من كتاباتك ولكنني لم اجدها ، يمكن لم اجد الطريقة الصحيحة في البحث . فممكن ان تساعدني وتزودني بعنوانك سواءا في غرغرل او اذا لديك كتب . اشكرك جدًالك كل التقدير والاحترام

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات