رحلة الموت والحياة (الجزء الثالث)
توقفنا في الجزء الثاني عند هذين السؤالين
1- ماذا يحل بنا بعد نزع الروح من الجسد من قبل ملك الموت الذي يتوفانا ؟
2- وما هي صفات حالة الموت الثانية؟
ذكر الله نزع الروح وخروجها من جسم الإنسان في سورتَي القيامة والواقعة الَّتان تحدثان عن لحظات الموت وسكراته واصفاً تفاصيل نزعها من الجسد وكأنها تبدأ من أسفل الإنسان الى أعلاه حتى تبلغ منطقة عظمي الترقوة على جانبي الرقبة ثم يستمر سحبها الى أن تبلغ حلق الإنسان وأقرباؤه من حوله ينظرون اليه ولا يستطيعون فعل شيء وذلك بقول الله:
{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)} [القيامة : 26-30]
وقال الله أيضاً
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93)} [الواقعة : 83-93]
كما ذكر الله لحظات نهاية الإنسان وهو في النزع الأخير وكأن الله يواجهه الجاحد بمصيره فيقول (رب ارجعون)
والبرزخ في القرآن بعد الموت مباشرة وهو الحاجز الذي يفصل حالة الحياة عن حالة الموت
في سورة المؤمنون
{حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} [المؤمنون : 99-100]
ومن وجهة نظري أن البرزخ له ثلاثة أقسام
القسم الأول: فيه أرواح البشر التي لم تلتقِ بأجسادها
القسم الثاني: (عليون) وفيه أرواح الناس المؤمنين الحقيقيين ممن توفاهم الله في الحياة الدنيا من كافة الأديان الذين اتبعوا رسلهم بالحق
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين]
القسم الثالث: (سجين) وفيه أرواح الناس الفجار من كل الطوائف والأديان
كما قال الله في سورة المطففين:
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين]
وقد خلق الله البشر جميعاً أمواتاً قبل نفخ الله الروح في أبينا آدم
حيث قال الله للملائكة عن آدم (الطيني) قبل أن يحييه:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)} [الحجر : 28-29]
نستنبط أيضاً من آيات الكتاب، أن الحياة تحصل وتتم بطريقة نفخ الروح في الجسد كما أحيا الله أبانا آدم، لذا يُستنبط أن الموت يحصل بعكس طريقة الحياة وهي إخراج ونزع الروح بفصلها عن الجسد بنفخة معاكسة وفق قوله تعالى:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر : 68]
وأما خلق أجسادنا فسن الله لها قانون يراه البعض سهلاً لكن حقيقته مذهلة وهو الخلق التسلسلي بالتقاء نطفة من ماء الرجل مع بييضة من المرأة ثم تبدأ سلسلة من التحولات في رحم المرأة إلى أن يكتمل الجسد وتنفخ فيه الروح ثم تتم الولادة، وقد أوضح الله هذه التحولات في هذه الآية الكريمة التي أكدها العلم الحديث:
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون : 14]
ويتم في الرحم نفخ الروح في هذا الجسد وفق حديث رسول الله المتطابق تماماً مع آيات القرآن ومع العلم الحديث
عن عبد الله بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد .......الخ)
رواه البخاري ومسلم
وتؤكد صدق هذا الحديث هذه الآية:
{........يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} [الزمر : 6]
ونعود إلى رحلتنا في حالاتها الأربع (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)
فقد خلق الله البشر جميعاً (أمواتاً لأول مرة) أي أرواحاً بلا أجساد في عالم البرزخ وذلك قبل أن ينفخ الله الروح في آدم الذي جعل نسله (أي قانون تناسله) وفق هذه الآية:
{......وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) [السجدة :8-7]
وكلمة الإنسان في هذه الآية تعني الإنسان الكامل (جسداً وروحاً) ولا يصبح جسد الجنين إنساناً إلا بعد أن تنفخ الروح فيه كما حصل مع الجسد الطيني لأبانا آدم عليه السلام
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} [ص : 71-72]
ثم خلق من آدم زوجه ثم جعل الخلق وفق القانون التناسلي التسلسلي الذي تكلمنا عنه وتلخصه هذه الآية
{.....ُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً .......} [النساء : 1]
وبعد التقاء النطفة بالبويضة يتكون الجنين، حيث يأتي المَلَكُ بالروح وينفخها في كلٍ منا ونحن أجنة في أرحام أمهاتنا ونتحول الى إنسان وفق ما تقدم في الحديث الشريف، ثم نخرج من الارحام لندخل إلى الحياة الدنيا من خلال الولادة يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ.......ٍ} [الحج : 5]
وعند الولادة تبدأ رحلة الحياة الأولى في هذه الدنيا التي ذكرها الله في هذه الآية (وأحييتنا اثنتين)
وعند الموت يأتي مَلَكٌ آخر وَكَله الله بالبشر لينزع الأرواح من الاجساد بقوله تعالى في هذه الآية:
{۞ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة : 11]
ومهمة هذا المَلَك هي نزع الروح التي وكله الله بذلك وهي معاكسة لمهمة المَلَك الذي
ذُكِرَ في الحديث السابق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن مَلَكاً ينفخ الروح في الجنين وهو في رحم أمه
وكان الله قد سألنا سؤالين اثنين بعد أن خلقنا أمواتاً لأول مرة (أي أرواحاً بلا أجساد) وأشهَدَنَا على هذين السؤالين وشهِدت أرواحنا عليهما ونحن في عالم البرزخ.
السؤال الأول: (ألست بربكم؟) وأقرَّ كل منا بشهادته على ذلك!!!
وقد ذكر الله إقرارنا في هذه الآية:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)} [الأعراف : 172-174]
وسوف أقدم بحثاً مستقلاً عن ذلك الإقرار وهذا المَوثِق الذي واثقْنا الله به، إن شاء الله.
والسؤال الثاني وترك لنا فيه حرية الاختيار وهو: (هل أنتم مستعدون لحمل الأمانة ولكم الجنة والنعيم الأبدي؟ ... وإن أخفقتم فلكم النار)، وقد ذكره الله في هذه الآية:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)} [الأحزاب : 72-73]
وسأقدم بحثاً مستقلاً عن حمل هذه الأمانة، إن شاء الله.
وبعد أن خلقنا الله أرواحاً بلا أجساد أحيا الله أولاً أبانا آدم وأسجد له الملائكة سجود تكريم له ولكافة أبنائه من بعده وفق قوله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف : 11]
أرجو الإنتباه الى تسلسل الأحداث في هذه الآية والى حرف العطف (ثم) الذي يشير الى البعد الزمني بين تلك الأحداث
أي أن الله خلقنا أمواتاً (أرواحاً بلا أجساد) ثم صوَّرناكم أي قضينا إعطائكم صورة أباكم آدم ذو الشكل والجسم البشري أي شكَّل الطين على هيئة الجسد البشري المعروفة لنا
ثم نفخ الله فيه الروح فتحول الى إنسان كامل وبعد ذلك كرَّمَنا نحن الجنس البشري بسجود الملائكة لوالدنا الأول
{ُ......الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً .......} [النساء : 1]
(خلقكم من نفس واحدة) أي تم خلقكم بذات الكتلوك التي خلقنا بها النفس الأولى من (جسد+ روح + نفس) وبث منهما الرجال والنساء في هذه الدنيا كل نفس في الزمن الذي قدَّر الله له أن يعيش فيه وفق قانون التناسل البشري وتسلسل خلق الله للبشر منذ أول أولاد آدم من ذكر وأنثى إلى الأجداد ثم الآباء ثم جئنا نحن ثم أولادنا ثم الأحفاد إلى نهاية السلسلة البشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ...} [الحج : 2]
حينئذٍ يوقف الله هذه السلسلة ويقطعها.
فالله كرَّم بني آدم وفضَّله على سائر مخلوقاته كلها بقوله تعالى:
{۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء : 70]
وكان التكريم لجميع بني آدم دون اسثناء، أما التفضيل فهو فقط لكل إنسان صدَق بما عاهد الله عليه ونفَّذ ما واثَقْ به ربه لذا استحق التفضيل حتى على ملائكة الله.
وقد قال الله عن هؤلاء الذين صدقو الله وأوفوا بعهده ولم ينقضوا ميثاقه
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد : 20-24]
وقد فضلهم الله لسببين:
أولاً- (إياك نعبد) وفاؤهم لعهد الله وعدم الإشراك في عبادته أحد أي إلهاً واحداً لا نشرك معك أحداً من خلقك فقد عاهَدْنا اللهَ جميعاً عندما أشهَدَنا وسألَنا (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا) وهذا هو عهد الله وميثاقه
ثانياً- (إياك نستعين) على كل عمل صالح يرضيك عنا ويساعدنا على حمل أمانة التبليغ والهِداية التي تعهدنا بحملها ويَتَحَّمَلُ كل منا نتيجة تركها وراء ظهره واتباع هواه {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72]
هذا ما هداني الله اليه من فهم وتفسير وتفكر في معاني بعض آيات القرآن التي شعرت أنها تكمل بعضها البعض امتثالاً لأمر الله ولعلهم يتفكرون
{.......وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44]
والله من وراء القصد وهو العليم الخبير فإن أصبت فمن الله وأشكركم إن نشرتموه للعلم والمعرفة، وإن أخطأت فمن نفسي الخاطئة وأشكركم إن أشرتم للخطأ وأين ورد ولكم مني مودتي واحترامي.
1- ماذا يحل بنا بعد نزع الروح من الجسد من قبل ملك الموت الذي يتوفانا ؟
2- وما هي صفات حالة الموت الثانية؟
ذكر الله نزع الروح وخروجها من جسم الإنسان في سورتَي القيامة والواقعة الَّتان تحدثان عن لحظات الموت وسكراته واصفاً تفاصيل نزعها من الجسد وكأنها تبدأ من أسفل الإنسان الى أعلاه حتى تبلغ منطقة عظمي الترقوة على جانبي الرقبة ثم يستمر سحبها الى أن تبلغ حلق الإنسان وأقرباؤه من حوله ينظرون اليه ولا يستطيعون فعل شيء وذلك بقول الله:
{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)} [القيامة : 26-30]
وقال الله أيضاً
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93)} [الواقعة : 83-93]
كما ذكر الله لحظات نهاية الإنسان وهو في النزع الأخير وكأن الله يواجهه الجاحد بمصيره فيقول (رب ارجعون)
والبرزخ في القرآن بعد الموت مباشرة وهو الحاجز الذي يفصل حالة الحياة عن حالة الموت
في سورة المؤمنون
{حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} [المؤمنون : 99-100]
ومن وجهة نظري أن البرزخ له ثلاثة أقسام
القسم الأول: فيه أرواح البشر التي لم تلتقِ بأجسادها
القسم الثاني: (عليون) وفيه أرواح الناس المؤمنين الحقيقيين ممن توفاهم الله في الحياة الدنيا من كافة الأديان الذين اتبعوا رسلهم بالحق
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين]
القسم الثالث: (سجين) وفيه أرواح الناس الفجار من كل الطوائف والأديان
كما قال الله في سورة المطففين:
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين]
وقد خلق الله البشر جميعاً أمواتاً قبل نفخ الله الروح في أبينا آدم
حيث قال الله للملائكة عن آدم (الطيني) قبل أن يحييه:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)} [الحجر : 28-29]
نستنبط أيضاً من آيات الكتاب، أن الحياة تحصل وتتم بطريقة نفخ الروح في الجسد كما أحيا الله أبانا آدم، لذا يُستنبط أن الموت يحصل بعكس طريقة الحياة وهي إخراج ونزع الروح بفصلها عن الجسد بنفخة معاكسة وفق قوله تعالى:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر : 68]
وأما خلق أجسادنا فسن الله لها قانون يراه البعض سهلاً لكن حقيقته مذهلة وهو الخلق التسلسلي بالتقاء نطفة من ماء الرجل مع بييضة من المرأة ثم تبدأ سلسلة من التحولات في رحم المرأة إلى أن يكتمل الجسد وتنفخ فيه الروح ثم تتم الولادة، وقد أوضح الله هذه التحولات في هذه الآية الكريمة التي أكدها العلم الحديث:
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون : 14]
ويتم في الرحم نفخ الروح في هذا الجسد وفق حديث رسول الله المتطابق تماماً مع آيات القرآن ومع العلم الحديث
عن عبد الله بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد .......الخ)
رواه البخاري ومسلم
وتؤكد صدق هذا الحديث هذه الآية:
{........يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} [الزمر : 6]
ونعود إلى رحلتنا في حالاتها الأربع (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)
فقد خلق الله البشر جميعاً (أمواتاً لأول مرة) أي أرواحاً بلا أجساد في عالم البرزخ وذلك قبل أن ينفخ الله الروح في آدم الذي جعل نسله (أي قانون تناسله) وفق هذه الآية:
{......وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) [السجدة :8-7]
وكلمة الإنسان في هذه الآية تعني الإنسان الكامل (جسداً وروحاً) ولا يصبح جسد الجنين إنساناً إلا بعد أن تنفخ الروح فيه كما حصل مع الجسد الطيني لأبانا آدم عليه السلام
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} [ص : 71-72]
ثم خلق من آدم زوجه ثم جعل الخلق وفق القانون التناسلي التسلسلي الذي تكلمنا عنه وتلخصه هذه الآية
{.....ُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً .......} [النساء : 1]
وبعد التقاء النطفة بالبويضة يتكون الجنين، حيث يأتي المَلَكُ بالروح وينفخها في كلٍ منا ونحن أجنة في أرحام أمهاتنا ونتحول الى إنسان وفق ما تقدم في الحديث الشريف، ثم نخرج من الارحام لندخل إلى الحياة الدنيا من خلال الولادة يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ.......ٍ} [الحج : 5]
وعند الولادة تبدأ رحلة الحياة الأولى في هذه الدنيا التي ذكرها الله في هذه الآية (وأحييتنا اثنتين)
وعند الموت يأتي مَلَكٌ آخر وَكَله الله بالبشر لينزع الأرواح من الاجساد بقوله تعالى في هذه الآية:
{۞ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة : 11]
ومهمة هذا المَلَك هي نزع الروح التي وكله الله بذلك وهي معاكسة لمهمة المَلَك الذي
ذُكِرَ في الحديث السابق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن مَلَكاً ينفخ الروح في الجنين وهو في رحم أمه
وكان الله قد سألنا سؤالين اثنين بعد أن خلقنا أمواتاً لأول مرة (أي أرواحاً بلا أجساد) وأشهَدَنَا على هذين السؤالين وشهِدت أرواحنا عليهما ونحن في عالم البرزخ.
السؤال الأول: (ألست بربكم؟) وأقرَّ كل منا بشهادته على ذلك!!!
وقد ذكر الله إقرارنا في هذه الآية:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)} [الأعراف : 172-174]
وسوف أقدم بحثاً مستقلاً عن ذلك الإقرار وهذا المَوثِق الذي واثقْنا الله به، إن شاء الله.
والسؤال الثاني وترك لنا فيه حرية الاختيار وهو: (هل أنتم مستعدون لحمل الأمانة ولكم الجنة والنعيم الأبدي؟ ... وإن أخفقتم فلكم النار)، وقد ذكره الله في هذه الآية:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)} [الأحزاب : 72-73]
وسأقدم بحثاً مستقلاً عن حمل هذه الأمانة، إن شاء الله.
وبعد أن خلقنا الله أرواحاً بلا أجساد أحيا الله أولاً أبانا آدم وأسجد له الملائكة سجود تكريم له ولكافة أبنائه من بعده وفق قوله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف : 11]
أرجو الإنتباه الى تسلسل الأحداث في هذه الآية والى حرف العطف (ثم) الذي يشير الى البعد الزمني بين تلك الأحداث
أي أن الله خلقنا أمواتاً (أرواحاً بلا أجساد) ثم صوَّرناكم أي قضينا إعطائكم صورة أباكم آدم ذو الشكل والجسم البشري أي شكَّل الطين على هيئة الجسد البشري المعروفة لنا
ثم نفخ الله فيه الروح فتحول الى إنسان كامل وبعد ذلك كرَّمَنا نحن الجنس البشري بسجود الملائكة لوالدنا الأول
{ُ......الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً .......} [النساء : 1]
(خلقكم من نفس واحدة) أي تم خلقكم بذات الكتلوك التي خلقنا بها النفس الأولى من (جسد+ روح + نفس) وبث منهما الرجال والنساء في هذه الدنيا كل نفس في الزمن الذي قدَّر الله له أن يعيش فيه وفق قانون التناسل البشري وتسلسل خلق الله للبشر منذ أول أولاد آدم من ذكر وأنثى إلى الأجداد ثم الآباء ثم جئنا نحن ثم أولادنا ثم الأحفاد إلى نهاية السلسلة البشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ...} [الحج : 2]
حينئذٍ يوقف الله هذه السلسلة ويقطعها.
فالله كرَّم بني آدم وفضَّله على سائر مخلوقاته كلها بقوله تعالى:
{۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء : 70]
وكان التكريم لجميع بني آدم دون اسثناء، أما التفضيل فهو فقط لكل إنسان صدَق بما عاهد الله عليه ونفَّذ ما واثَقْ به ربه لذا استحق التفضيل حتى على ملائكة الله.
وقد قال الله عن هؤلاء الذين صدقو الله وأوفوا بعهده ولم ينقضوا ميثاقه
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد : 20-24]
وقد فضلهم الله لسببين:
أولاً- (إياك نعبد) وفاؤهم لعهد الله وعدم الإشراك في عبادته أحد أي إلهاً واحداً لا نشرك معك أحداً من خلقك فقد عاهَدْنا اللهَ جميعاً عندما أشهَدَنا وسألَنا (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا) وهذا هو عهد الله وميثاقه
ثانياً- (إياك نستعين) على كل عمل صالح يرضيك عنا ويساعدنا على حمل أمانة التبليغ والهِداية التي تعهدنا بحملها ويَتَحَّمَلُ كل منا نتيجة تركها وراء ظهره واتباع هواه {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72]
هذا ما هداني الله اليه من فهم وتفسير وتفكر في معاني بعض آيات القرآن التي شعرت أنها تكمل بعضها البعض امتثالاً لأمر الله ولعلهم يتفكرون
{.......وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44]
والله من وراء القصد وهو العليم الخبير فإن أصبت فمن الله وأشكركم إن نشرتموه للعلم والمعرفة، وإن أخطأت فمن نفسي الخاطئة وأشكركم إن أشرتم للخطأ وأين ورد ولكم مني مودتي واحترامي.
تعليقات
إرسال تعليق