الإنسان روح وجسد ونفس

 يتألف الإنسان من روح وجسد ونفس

فعندما تجتمع الروح بالجسد تبدأ النفس بالعمل وتبدأ ذاكرة  النفس بالتكون  وهي ذاكرة الشعور والأحاسيس المبنية على تراكم خبرات الإنسان المكتسبة بحواسه ومشاعره وعقله فيتم تسجيلها في الدماغ ويبدأ ذلك منذ نفخ الروح فينا ونحن أجنة في أرحام أمهاتنا وأثبت العلم الحديث بأن تربية الطفل تبدأ وهو جنين في رحم أمه فإن كانت الأصوات حوله هادئة رتيبة بغير صخب يخرج الى الحياة طفلاً هادئاً 

فالنفس تحيا مع الإنسان وتموت لحظة انتزاع روحه من جسده


وعندما تموت النفس تتوقف معها ذاكرة الاحساس والرغبات والمشاعر وتستيقظ ذاكرة اللاشعور التي قد تكون هي ذاكرة الروح 

أما وفاة النفس فهي مسألة مختلفة عن موتها

قال الله تعالى

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر : 42]

وبما أنني معني بهذا التفكر فإني أرى أنَّ الإنسان يتألف من ثلاثة أقسام

1- الروح: سر من أمر الله وهي طاقة بعث الحياة والحركة في الأجساد  وللروح ذاكرتها الخاصة القديمة بقدم خلق الله أرواح البشر عندما أشهدنا على ربوبيته وشهدت أرواحنا قبل لقائها الأجساد


{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف : 172]

وعند نفخ الروح في الجسد تتحول هذه

  الذاكرة المخزونة في الأرواح إلى  الفطرة اللاشعورية المشبعة بالإيمان بالله الواحد الذي نؤمن بربوبيته فنعبده  وتلك هي فطرة الله  التي فطر الناس جميعاً  عليها  {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30]

2- الجسد:

وهو الوعاء الذي يحتوي على الروح والنفس ويتألف من (ماء ولحم ودم وعظم وأعصاب وأجهزة شتى كل منها له وظيفته) وكلنا يعرف هذا الوعاء تماماً 

ثم يبلى الجسد ويتفسخ بعد خروج الروح ويفقد ما احتواه من الماء ويفنى وتتفكك خلاياه وذراته وتتحول وتعود الى أصلها وهو التراب بكل مكوناته الطينية التي جبلها الله منه (تراب + ماء)


3- أما النفس:

فهي العقل الباطن ومناط الإختيار والإرادة والضمير وهي التي تتحكم بأطراف الإنسان وحواسه، وينتج عن أوامرها الأفعال الملموسة التي يجري عليها القلم، وهي مَجمَع الملكات والذاكرة الحية والرغبات والعقل والغرائز البشرية والأحاسيس التي تتحكم بالجسد وهي مناط الاختبار والابتلاء ومناط الثواب والعقاب، ومقر تحكمها هو في الخلايا العصبية المغلفة للقلب الذي في الصدر

قال الله تعالى:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج : 46]

وقال الله أيضاً

{...وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران : 154]


{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء : 25]

والنفس أيضاً هي مصدر التحفيز على فعل الخير أو فعل الشر والاختيار بينهما وهي التي تذوق اللذة والمتعة وهي التي تذوق العذاب والألم والفرح والندم.

 وعند موت الإنسان بنزع روحه من جسده تموت النفس أيضاً ولا تحيا إلا عند نفخ الروح في الجسد  مرة ثانية يوم القيامة فتعود لها فعالياتها وذاكرتها

وطاقتها وقد قاس العلماء طاقة الإنسان (الأورا) وهو حي وطاقته بعد الموت فانعدمت كما قاسوا طاقته عند النوم العميق فانخفضت الى أدنى درجة ولم تنعدم 

فعند النوم النفس لا تموت وإنما تُتوفى

ويوجد فرق بين الموت والوفاة

- الموت مرتبط ب(بجملة الإنسان) لحظة نزع روحه من جسده فيتفكك الى أقسام ثلاث 

نفس يتوفاها الله 

وجسد يَبْلى 

وروح تعود الى برزخها إما في عليِّين أو سجِّين

 - الوفاة مرتبطة بالنفس وذلك عندما تتعطل فاعليتها  وتتوقف ملكاتها وذاكرتها وقدراتها على التحكم بالجسد ورغباته وأحاسيسه عند النوم العميق وكذلك بعد الموت

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر : 42]


والنفس هي من تذوق ألم سكرات الموت الحقيقي ويتوفاها الله عندما يقضِ الله بموتها بانتهاء أجل صاحبها

ولأن النفس هي مناط الثواب والعقاب والإبتلاء عند الإنسان لذا يعبر اللهُ عن الإنسان في كتابه بالنفس فيقول

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.....} [الأنبياء : 35]

وجعل الله الإنسان قادر على تهذيب نفسه التي تميل الى الأمر بالسوء والإنسان بعقله قادر على نهي النفس عن الهوى وجعلها نفس مطمئنَّة أوتركها على هواها وتكون نفس خبيثة لوَّامة
 {.....إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف : 53]
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41)} [النازعات : 40-41]


 والله يتوفى الأنفس خلال النوم ثم يرسلها عند الإستيقاظ فتعود للتحكم بالجسد ورغباته من جديد فنفس كل إنسان  هي في حالة وفاة يومية متكررة الى نهاية أجل الإنسان


مثال توضيحي لتقريب الفهم نفرض أن الإنسان هو (جهاز التكييف) :

الجسد = هو جسم المكيف الذي يتألف من قطعه الظاهرة والمخفية داخله وجميع معداته الداخلية  والخارجية

الروح  = هي التيار الكهربائي الذي لايعمل هذا الجهاز  إلا بوصله به

النفس = هي جهاز التحكم  (ريموت كونترول) بكل أجزائه ومهامه وفعالياته من التبريد والتهوية والتدفئة والترطيب

(ولله المثل الأعلى)

هذا رأيي وأحترم أي نقدٍ بناء أو وجهة نظر تخالفني

فإن أصبت فذلك فضل من الله

وإن أخطأت في هذه النظرة فمن نفسي ولكم مودتي واحترامي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات