رحلة الموت والحياة (الجزء الثاني)

توقفنا في الجزء الاول من رحلة الموت والحياة عند هذه التساؤلات:
- هل الموت هو العدم ؟
- هل جئنا من العدم الى الحياة الدنيا؟
- هل أول ما خلقنا الله خلقنا أحياءً أم أمواتاً؟
- وهل سنعود بعد هذه الحياة الدنيا إلى حالة موتٍ عدمية ليس فيها جسدٌ ولا روح ولا نفس؟
- أم أن الموت هو حالة تحولٍ من الحياة التي نعرفها إلى حالةٍ أخرى لا نعرفها؟
ونتابع البحث
إنَّ كل مؤمن بالله سواء كان مسلماً أو من أهل الكتاب يوقن بوجود ثلاث حالات فقط للحياة والموت نعرفها جيداً ويؤمن بها المسلمون والنصارى واليهود وِفْق ما جاءنا في الكتب السماوية، وهي حالتين من الحياة وحالة موت واحدة نعرفها تماماً ولكننا لا نعرف طبيعتها، ونرى كيف يسبقنا إليها أناسٌ من أحبتنا دون عودة، ونحن موقنون أنَّا لاحقون بهم إلى حالة الموت هذه لا محالة، ولابد أنها هي الموتة الثانية لأن بعدها تبدأ الحياة الأبدية كما جاء في القرآن الكريم وكما جاء في كتب الله السماوية السابقة التوراة والإنجيل.

نعود ونتساءل: أين هي إذًا الموتة الأولى التي ذكرها الله في هذه الآية الكريمة
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [غافر : 11] ونرى أن الله ذكر الموت قبل الحياة ودائماً يذكر الموت قبل الحياة في كتابه العزيز
كما قال الله:
 {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة : 28]
 وهنا أيضاً بدأ الله بالموت قبل الحياة الدنيا
وهذا يؤكد أن الله بدأ بخلقِنا أمواتاً قبل أن يحيينا وكذلك جاء في سورة النجم {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم : 44] تؤكِد الآية أننا كنا أمواتاً ولم نكن عدماً
والدليل على ذلك أيضاً في سورة المُلك أن الموت هو خلقٌ من خلقِ الله وليس عدماً كما يعتقد البعض حيث قال تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك : 2]

إذاً الموت والحياة مخلوقان وهما خلق من خلق الله، وأن الله بدأ بخلق الموت أولاً ثم خلق الحياة ثانياً
نستنبط مما سبق أننا كنا مخلوقات ميتتة ولم نكن عدماً أو صفراً أو لا شيء.
- فما هو هذا المخلوق (الموت) ؟
- وكيف يخلق الله الناس أمواتاً قبل أن يحييهم؟
ولفهم هذا التساؤل الغامض نتفكر في هذه الآيات الأربعة لعلنا نجد جواباً
1-(وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا)
2-(وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فأحياكم)
3-(قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)
4-(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ)
وجاء في جميع هذه الآيات أن حدوث الموت قبل حدوث الحياة أي أن الله أول ما خلقنا من العدم خلقنا أمواتاً
أي جعل جميع البشر(مخلوقات ميتة) أي أرواحاً  بلا أجساد !!!! ولم نكن لاشيء
وذلك قبل أن ينفخ الروح في أبينا آدم في حياته الأولى
وأنزل الله لنا هذه الآيات على هذا الشكل وهذا التسلسل ليوضح لنا بأن الموت ليس عدماً وإنما هو حالة خلقها الله حيث نَقلنا من (العدم)  الى حالة (الموتة الأولى) بدون ألم ولا معاناة لعدم وجود أجسام لنا
لكن عندما ننتقل من (الحياة الدنيا) الى (الموتة الثانية) سيكون الموت فيه معاناة وألم حيث قال الله  {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق : 19]


ولو اردنا توضيح هذه الرحلة  وفهمها ببساطة،
فقد خلقنا الله جميعاً أول مرة  (أمواتاً) أي أرواحاً بلا أجساد  في عالم البرزخ ذلك العالم المجهول والذي لانذكره نحن ولكن تذكره أرواحنا فقد عايَنَتْهُ سابقاً وعاشت فيه وتذكره جيداً بكل تفاصيله وهذا يشير الى أن للأرواح ذاكرة وقد تكون هي ذاكرة اللاوعي الملازمة لكل إنسان
{....... وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون : 100]

    ومر معنا في (الجزء الأول من هذا البحث) كيف تغيرت ذاكرة ورؤية الجاحدين بعد بعثهم ورؤيتهم العذاب ويُستنتج أن الروح تحمل ذاكرة خاصة بها وهي ماتسمى (ذاكرة الروح) أو (الفطرة) أو (نفسرها بالضمير الوجداني) أو (العقل الباطن) أو الذي وضعه الله في خلايا قلوبنا الخافقة في صدورنا والتي تمثل العقل الحقيقي الذي يتحكم برغبات النفس وشهواتها وهو مكان المشاعر والأحاسيس والميول الذوقية وقد زرع الله تلك الفطرة فينا عند نفخ الروح ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، وتحديداً في قلوبنا التي في صدورنا وأثبت ذلك العلم الحديث بأن في القلب خلايا عصبية تتحكم في الدماغ وسموها (شبكة الخلايا العصبية القلبية) أو (مخ القلب) أو (خلايا الذاكرة القلبية)

     فيديو  عند واتس رامي ( بحث عن خلايا القلب المتحكمة بالعقل)

 وقال الله عنها  {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج : 46]
 ونتابع هذه الرحلة حيث أخرجنا الله طفلاً
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [غافر : 67]
 نحمل تلك الفطرة التي جَبَلنا الله عليها ثم كتب لكل منا زمناً وأجلاً يُمتحن فيه في حياتنا الدنيا فمنا الناجح المؤمن الموحد لله إذا عمل صالحاً ومنا الراسب الجاحد والراسب المشرك
 ثم يميتنا الله الموتة الثانية بنزع الروح من الجسد حين انتهاء الأجل بواسطة مَلَك خاص خلقه الله وأوكَّل إليه هذه المهمة
{۞ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة : 11]
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام : 61]
والسؤال المهم هنا: ماذا يحل بنا بعد نزع الروح من الجسد من قبل ملك الموت الذي يتوفانا ؟
وما هي صفات حالة الموت الثانية؟
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر : 68]
 ثم يوم القيامة يميت الله من بقي من البشر على الأرض ومن بقي من الخلائق بنفخة واحدة من الصور فيصعق الجميع وتبقى الأرواح في برزخ الى أن يحين يوم الحساب
 ثم يحيينا الله الحياة الثانية والأخيرة بنفخة خاصة ثانية من الصور فيبعثنا الله دفعة واحدة للحساب، .....  فإما الى الجنة وهي درجات إلى الأعلى {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف : 19]
أو الى النار وهي دركات إلى الأسفل {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء : 145]
(ولا يوجد في الآخرة مكان ثالث)

هذا ما هداني الله اليه بعد اطلاعي على ما ثبت من العلم الحديث من أن القلب هو مناط العقل
وبعد التفكر العميق في معاني بعض آيات القرآن التي وجدت أنها تكمل بعضها البعض امتثالاً لأمر الله ولعلهم يتفكرون
{.......وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44]

 والله من وراء القصد وهو العليم الخبير فإن أصبت فمن الله وأشكركم إن نشرتموه للعلم والمعرفة، وإن أخطأت فمن نفسي الخاطئة وأشكركم إن أشرتم للخطأ وأين ورد ولكم مودتي واحترامي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات