أنباء القرآن معجزة متجددة والنبأ العظبم

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه (سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29]
في كتاب الله قصصٌ وعِبَرٌ وأنباءٌ تحكي عن الماضي والحاضر والمستقبل، وفيه أيضاً علومٌ وأنباء كثيرة لم ندركها بعد.

ومن الجدير بالذكر أن نعرف الفرق بين النبأ والخبر فالنبأ كلام قطعي الصدق لا يحتمل الكذب ولا الخطأ،  أما الخبر فهو كلام يحتمل الصدق والكذب والخطأ.


من المعروف أن لكل قسَم أقسمه الله في القرآن جواب للقَسَم يأتي بعده يوضح سبب القَسَم، ولله وحده أن يقسم بما يشاء.

وفي بداية سورة (ص) أقسَم الله بالقرآن بقوله جل شأنه {ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)} [ص]

والواو هي واو القسَم،    والقرآن ذي الذكر هو المُقسَم به،    فأين هو جواب القسَم؟

بمراجعة عدد من كتب التفاسير للقرآن كُتب فيها أن جواب القسَم محذوف، وقام بعض المفسرين بتقدير جواب القسَم بمعانٍ عدة.


وبالتدقيق في سورة (ص) نجد أن جواب القسَم ليس محذوفاً بل هو موجودٌ وقد جاء بعد 87 آية من القسَم وذلك في الآيتين الأخيرتين من السورة

وبذلك يصبح القَسَم وجوابه كما يلي: {ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [آية رقم : 1]

{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}  [آية رقم : 87-88]

والقسَم والخطاب للناس جميعا، فعندما يقسم الله بالقرآن الذي أنزله ذِكراً للعالمين وهو عظيم الشأن عنده، فهذا يعني أن جواب القسَم عظيم  أيضاً بأنبائه وعلومه وذكره وأسراره التي يحملها في طياته، ويؤكد الله بأنكم ستعلمون أنباءه جلها تباعاً حيناً بعد حين،  أي أنَّ ما جاء به الله في كتابه العزيز (ذي الذكر) من أخبار وآيات ومعلومات ، لن تدركوها كلها بعقولكم أيها الناس علماً وفهماً فور نزول القرآن وإنما ستعلمونها تباعاً،  فلكل نبأٍ وقتٌ لإدراكه مع مرور الزمن وتقدم العلم والفهم وتوسع الإدراك الإنساني وتطور أدوات البحث العلمي،  عندها ستدركون حقائق آيات الله الكونية وتطابقها مع آياته القرآنية وستأتيكم دلائل تلك الأنباء تِباعاً منذ نزوله الى قيام الساعة

وعند ذلك ستتأكدون أيها الناس وتعرفون بأنه كتاب من عند الله العليم الخبير،   وستكون تلك الحقائق دعماً وتصديقاً لموقف المؤمنين به وتكون أيضاً حجة على المكذبين.

وقد أكد الله ذلك المعنى أيضاً في سورة الأنعام بقوله تعالى :  {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام : 67]

أي لكل نبأٍ غامض ذُكِر في هذا الكتاب وغاب عن إدراككم وقت نزوله زمن قادم سيُظهِر الله للناس صدق هذا النبأ  ويؤكده العلماء وكتب العلوم بشتى أنواعها.

وسوف تعلمون ذلك في وقت لاحقٍ يقدِرُه الله ليستقر كعلم ثابت وحقيقة دامغة تذهل العقول،   وستؤكد المكتشفات الحديثة  دقة أنباء وكلمات القرآن القديمة حين لم يكن للعلم سبيل إلى معرفتها وفهمها.

وأكد الله ذلك المعنى مرة ثانية في قوله لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في سورة القيامة:

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة : 18-19]، وحرف العطف (ثم)  يحمل معنى التأخير الزمني أي يا محمد إقرأ القرآن كما هو أي كما أُنزِل عليك حرفياً دون زيادة أو نقصان، ثم (أي بعد زمن ما) سيكون على الله  توضيح معانيه وبيان ما صَعُبَ فهمه عليكم من أنبائه.  فذلك الكتاب لا يأتيه الباطل أبداً،  حيث قال تعالى عنه: {......وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت ]

وستعلمون أيها الناس صِدق هذه الآية سواء كنتم مؤمنين أو غير مؤمنين، حينئذ يكون الفوز للمتقين والويل كل الويل للمكذبين.


فحين انتشر الإسلام وانتصر ودخل الناس فيه أفواجاً... تجد في الكتاب آياتٍ قد تحدثت وسبقت نبأ ذلك النصر تثبت صِدق الكتاب ووعد الله بنصره للمؤمنين وإقبال الناس على ذلك الدين

(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)

(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)


وحين تتوسع علوم الفضاء والكون والكواكب،  تجد بين آيات الكتاب إعجازات بأنباء سبقت كل العلماء في ذلك

(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * )

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)


وحين تسيطر المادة والعلم على العقول ويفتخر كل صاحب علم بعلمه وعقله كعلم الطب وعلم الأجِنَّة وعلم الأرض والجغرافية ... تفاجئك آيات معجِزة في القرآن  قيلت في صلب تلك العلوم قبل أربعة عشر قرناً بدقة متناهية، لم يكتشف دقة هذه الكلمات أحد من العلماء قبل هذا العصر الحديث

(أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ *)

(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)

(غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ *)

(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ *)


وحين يتطور الكمبيوتر ويسبق بسرعة أدائه ودقة حسابه عقول البشر وتطغى سرعة الحساب للأرقام والأعداد والمعادلات الرياضياتية على سرعة عقل مخترعه

تأتيك آيات (الكتاب المرقوم) بإعجازات رقمية مذهلة تتناغم بين أرقام آياته وأرقام سوره وعدد كلماته مع الأرقام الأولية التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها مثل الرقم 7 والرقم 19  والرقم 777 وغيرها

فمن ألَّف ذلك الكتاب بهذا التناغم الرقمي المعجز؟

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)

(فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) ولهذا الرقم(19) بحوث كثيرة ودلائل رقمية مذهلة.


وحين تأتيكم أيها الناس كل هذه العلامات الدالة وهذا التطابق بين أنباء ذلك الكتاب والعلم الحديث ودقة أنبائه  وتكابروا ولا تؤمنوا ولاتصدقوا

حينها ما عليكم إلا انتظار الحقيقة الكبرى وقت البعث بعد الموت،   عندما تنقطع عنكم الأسباب ويأتيكم اليقين لحظة رؤية العذاب الذي أَوعَدكم به الله وأنذَركم به الرُسل (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ المرسلون)


أرسل الله للناس رسالته الأخيرة وفيها ما يكفي من براهين  على صدق ذلك الكتاب وصدق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وقال الله له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً للنَّاسِ) فأسلم وآمن به البعض ...  وكذَّبَ به آخرون تكبراً وغروراً.

وما نلمسه اليوم وما نراه من اكتشافات العلماء المسلمين وبعض علماء اليهود والنصارى من الغرب والشرق من (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ومن الملحدين

الذين يجتهدون بالبحث عن الحقيقة دون تحيز،     وما أكثر الأمثلة ممن آمن منهم عن علمٍ وقناعةٍ ثم أصبحوا دعاة لهذا الدين

وقد صَدَقَ قول الله فيهم:   (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا)
وبدأوا يحملون راية الدعوة الى الله والاسلام خيراً من أهلها


وبعد أن أظهر الله تلك الدلائل الواضحة مؤيدة بالعلم وجدنا الكثير من الناس ممن رفضها تكبراً وصلفاً، {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس : 39]

 فلا بد من أن يأتِيَ الله بإنذاره وتهديده لهؤلاء (فوَيْلٌ يَومَئِذٍ للْمُكَذِّبِينَ) بكتاب الله الأخير وخاتم رسله الذين يكذبون بأهم نبأ حمله القرآن وهو (لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) وأنزله على قلب ولسان النبي وهو (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله) .


وجملة (لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) هي روح دين الإسلام ذلك الدين الذي أنزله الله على جميع الأنبياء من عهد آدم الى عهد سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة : 136]


ولا يوجد في القرآن صدفة فقد وردت جملة (لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) بهذا اللفظ تحديداً مرتين فقط في القرآن في سورة (الصافات آية35) وسورة (محمد آية19)

كما وردت جملة (النبأ العظيم) في القرآن مرتين في سورة (ص آية67) وسورة (النبأ آية2)

وسورة (ص) هي محور هذا البحث الذي يقسم الله فيها بالقرآن مؤكداً بانكم ستعلمنَّ كل أنبائه بعد حين،   ومشيرة الى أن  النبأ العظيم هو (لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) وهو شعار التوحيد

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)} [ص : 65-67]

وسيبقى الذين لا يؤمنون بشعار (لا إله إلا الله) يتساءلون عن صدق هذا النبأ العظيم تكبراً وقد جعل الله له سورة خاصة سماها (سورة النبأ)  حيث قال:

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)} [النبإ : 1-5]


وسيبقى هذا النبأ العظيم ما بقيت السماوات والأرض ويظل موضع تساؤل من غير المؤمنين الذين يختلفون في صدقه تكبراً وعناداً رغم رؤيتهم صدق الأنباء العلمية المبهرة في ذلك الكتاب ورؤيتهم دقة أرقامه المعجزة.

ويؤكد الله مرتين للناس بأنهم (كَلَّاسَيَعْلَمُونَ) صِدْقَ ذلك النبأ في حياتهم الدنيا، ومن لم يؤمن به في الدنيا فسوف يؤمن به بعد ذلك (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) ثم تفيد التأخير أي عندما يَرَون العذاب في الآخرة،  ولكن بعد فوات الأوان حيث (يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ). (فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ) ولا يوجد في القرآن صدفة فقد وردت هذه الجملة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ)

متكررة في القرآن إثنتي عشرة مرة بعدد أحرف (لا إله إلا الله) وبعدد أحرف (محمد رسول الله) وصدق الله العظيم.

هذا ما هداني الله إليه من التفسير لذلك القَسَم الرباني فإن أصبت فبفضل الله وأشكركم إن نشرتموه بنيّة إفادة الآخرين.
وإن أخطأت فمن نفسي وأرجو تنبيهي أين الخطأ وأشكركم ... رضوان محمد بشير سالم   5/تموز/2018


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حساب الجُمَّل

بحث حول (النفاثات في العقد)

الإعجاز العددي في سورة الكوثر والغرض من هذه الإعجازات